للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أعظم النعم بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك (١) قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [آل عمران:١٦٤] فالله عز وجل هو الذي منَّ على عباده: بالخلق، والرزق، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، أسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها- بل أصل النعم – الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شيء ومعنى لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل (٢)، والمنة: النعمة العظيمة قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة وهي على نوعين: النوع الأول: أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال: منَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ وقوله تعالى: كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً [النساء:٩٤] وقال عز وجل: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات:١١٤] وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى [طه:٣٧] وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:٥] فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:٢٧] وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم:١١] وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي منَّ على عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة.

النوع الثاني: أن يكون المنُّ بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال الله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:١٧] فالمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام، والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المنُّ المذموم: وهو المنة بالقول فقال: وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر:٦] قال ابن كثير: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وقيل غير ذلك وقال الله عز وجل: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:٢٦٢ - ٢٦٤] وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم المنُّ بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) (٣) هذا هو المنُّ المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان، والجود فهو المحمود والخلاصة: أنَّ الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو عظيم المواهب، أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن، وأنعم فأجزل، وأكثر العطايا والمنح، وأنقذ عباده المؤمنين، ومنَّ عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله ومنَّ على عباده أجمعين: بالخلق، والرزق، والصحة، والأمن لعباده المؤمنين وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص٢٠٠


(١) ((تفسير السعدي)) (١/ ٤٤٩).
(٢) ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (١/ ٢٠٩).
(٣) رواه مسلم (١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>