للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى (الظل) الوارد في الأحاديث: قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: بيان آخر يدل على أن العرش ظل يستظل فيه من يشاء الله من عباده، ثم ذكر بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي)) (١)، ثم أورد حديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) (٢)، وكأنه رحمه الله يشير إلى أنَّ الظل في حديث السبعة هو ظل العرش الوارد في حديث المتحابين في الله وقال ابن عبد البر في (التمهيد) بعد أو أورد حديث ((سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله)): والظل في هذا الحديث يراد به الرحمة، والله أعلم، ومن رحمة الله الجنة، قال الله عَزَّ وجلَّ: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:٣٥]، وقال: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:٣٠]، وقال: فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات:٤١] اهـ وقال البغوي في (شرح السنة ٢/ ٣٥٥) في شرح حديث السبعة: قيل: في قوله: ((يظلهم الله في ظله) معناه: إدخاله إياهم في رحمته ورعايته، وقيل: المراد منه ظل العرش اهـ (٣).

وقال الشيخ حافظ الحكمي في (معارج القبول) عند كلامه على عُلُو الله فوق عرشه ووصف العرش؛ قال: ومن ذلك النصوص الواردة في ذكر العرش وصفته، وإضافته غالباً إلى خالقه تبارك وتعالى فوقه، ثم ذكر بعض الآيات والأحاديث، إلى أن قال: وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) اهـ (٤) فأنت ترى أنَّ سياق الكلام يدل على أنَّ الظل عنده من صفات العرش وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند شرح حديث السبعة: قوله: ((في ظله) قال عياض: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل؛ فهو ملكه كذا قال، وكان حقه أن يقول: إضافة تشريف؛ ليحصل امتياز هذا على غيره؛ كما قيل للكعبة: بيت الله، مع أنَّ المساجد كلها ملكه وقيل: المراد بظله: كرامته وحمايته؛ كما يقال: فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار، وقوَّاه عياض وقيل: المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن: سبعة يظلهم الله في ظل عرشه (فذكر الحديث)، وإذا كان المراد ظل العرش؛ استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس؛ فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضاً تقييد ذلك بيوم القيامة؛ كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر، وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال: المراد ظل طوبى أو ظل الجنة؛ لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة، ثم إنَّ ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أنَّ المراد ظل العرش اهـ (٥). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٢٠٥


(١) ((التوحيد)) (٣/ ١٩٠).
(٢) رواه البخاري (٦٦٠)، ومسلم (١٠٣١).
(٣) ((التمهيد)) (٢/ ٢٨٢).
(٤) ((معارج القبول)) (١/ ١٧٠).
(٥) ((فتح الباري)) (٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>