للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما خالف أهل البدع هذه القاعدة كفر بعضهم بعضا، حيث آمن بعضهم بنصوص وكفروا بأخرى، فقد آمن - مثلاً- الوعيدية: من الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد (١)، وكفروا بنصوص الوعد، وقابلهم المرجئة فآمنوا بنصوص الوعد (٢) وكفروا بنصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة آمنوا بكل وجمعوا بين النصوص، واعتمدوا على قول الله تعالى: عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: ١٥٦].

وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨].

وكذا الجبرية آمنوا بما كفر به القدرية، وكفروا بما آمن به القدرية، والحق الإيمان بجميع النصوص، واعتقاد نفي التعارض بينها، قال تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، فأثبت مشيئة للإنسان مقيدة بمشيئة الرحمن.

فالتفّت – بحمد الله – النصوص واجتمعت، وزالت الشبه وارتفعت الحجب وانقلعت.

(وقد استعمل هذه القاعدة كثير من أئمة العلم والدين في كسر المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة، وفي كتاب مختلف الحديث، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الجهمية، والإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتاب مختلف الحديث، والطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار، وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة) (٣). علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري – ص٣٣٧


(١) ومن ذلك قوله تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٨١]. وقوله تعالى: وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ *النساء:١٤* وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قتات)) يعني نمام. رواه البخاري (٦٠٥٦)، ومسلم (١٠٥). من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قاطع)) رواه البخاري (٥٩٨٤)، ومسلم (٢٥٥٦). من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(٢) ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) رواه مسلم (٢٦). من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار)) رواه مسلم (٣٢). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(٣) ((منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد)) لعثمان علي حسن (١/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>