للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا عمدة نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة، حيث زعموا أن إثبات صفات (قديمة) يقتضي استحقاق تلك الصفات للقدم الذي لله، ومن ثم مساواته في الإلهية، فمنعوا إثبات الصفات بناء عليها، وأبقوا له مجرد ألفاظ الأسماء كأعلام محضة, خالية من المعاني المتمايزة، بل هي من قبيل المترادفات. قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: ( .. إنه تعالى لو كان يستحق هذه الصفات لمعان قديمة، وقد ثبت أن القديم إنما يخالف مخالفه بكونه قديماً، وثبت أن الصفة التي تقع بها المخالفة عند الافتراق بها تقع المماثلة عند الاتفاق، وذلك يوجب أن تكون هذه المعاني مثلاً لله تعالى .. ) (١).

وهذه حجة داحضة، ولازم مزعوم، فإن الصفات المضافة إلى الله عز وجل ليست أعياناً منفصلة قائمة بذاتها حتى تكون قديمة قدم الخالق - على حد تعبير المتكلمين بالقدم – وإنما هي أوصاف له – سبحانه – قائمة به. قال شارح الطحاوية: (ولهذا كان أئمة السنة – رحمهم الله تعالى – لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره، ولا أنه ليس غيره. لأن إطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مباين له، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو هو، إذ كان لفظ (الغير) فيه إجمال، فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل: فإن أريد به أن هناك ذاتاً مجردة قائمة بنفسها، منفصلة عن الصفات الزائدة عليها، فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات الزائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة، فهذا حق، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها .. ) (٢).

ومما يبطل هذا المسلك اضطرارهم إلى إثبات صفات لا بد لهم من إثباتها كالوجود والحياة والقدرة، وهذا تناقض يستلزم البطلان.

٢ - الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، والأجسام متماثلة، فإثبات الصفات مستلزم للتجسيم:

وهاتان المقدمتان باطلتان. فالصفات تقوم بالأجسام وغير الأجسام. فيقال مثلاً: الليل طويل, والنهار قصير, والعكس, وهما ليسا جسمين. كما أن المدعي يثبت أوصافاً من العلم والحياة والقدرة لله عز وجل مع نفيه (الجسمية) عنه.

كما أن دعوى تماثل الأجسام دعوى باطلة ببداهة العقول. فإن بين الأجسام من التغاير في الصفات ما هو معلوم بالضرورة، كبراً وكثافة، وصلابة، وأضدادها وغيرها.


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: ١٩٥).
(٢) ((شرح العقيدة الطحاوية)) ص (١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>