للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يشهد للصحابة في فهمهم مراد الله ومراد نبيه صلى الله عليه وسلم، والأخذ بظواهر النصوص، وتفسيرها مما يظهر منها: قول ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه (١).

وقال مسروق رحمه الله: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحثنا فيها ويفسرها عامة النهار (٢)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس (٣).

وقال مجاهد رحمه الله: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها (٤).

فلم يتوقف الصحابة عن تفسير النصوص والأخذ بظواهرها؛ ويستثنى من ذلك النصوص الخاصة بصفات الله تعالى، فقد أخذوا بظواهرها فأثبتوها دون تفسير أو تكييف لمعناها.

قال الذهبي: قال سفيان (٥) وغيره: قراءتها – أي آيات الصفات – تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف (٦). علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري – ص٣٥٣

والواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.

ودليل ذلك: السمع، والعقل.

أما السمع: فقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: ٢]. وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: ٣]. وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.

وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ٧٥]. وقال تعالى: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا الآية [النساء: ٤٦].


(١) رواه البخاري (٥٠٠٢)، ومسلم (٢٤٦٣). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١/ ٦٠).
(٣) رواه أبو خيثمة في ((العلم)) (٤٨)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) ٦/ ٣٨٣، وأحمد في ((فضائل الصحابة)) (ص٨٤٧) (١٥٥٦)، والطبري في تفسيره (١/ ٦٥). والحاكم (٣/ ٦١٨) كلهم موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال ابن كثير في تفسيره (١/ ١٣): إسناده صحيح، وقال الألباني في كتاب ((العلم)) لأبي خيثمة: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه الطبراني (١١/ ١٠٨)، والأصبهاني في ((حلية الأولياء)) (١/ ٣١٦) مرفوعا عن ابن عباس. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٤٤٩): رواه الطبراني وفيه عبد الله بن خراش وهو ضعيف.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٦/ ١٥٤)، والدارمي (١/ ٢٧٣) (١١٢٠)، والطبري في تفسيره (١/ ٦٥)، والطبراني (١١/ ٧٧)، والحاكم (٢/ ٣٠٧).
(٥) وهو الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى، روى ذلك عنه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (٣/ ٤٣١)، والدارقطني في ((الصفات)) (ص٤١، ٤٢) وانظر: ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص ١١٨)، و ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) لابن قيم الجوزية (١/ ١١٤، ١١٥).
(٦) ((العلو)) للذهبي (٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>