للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المؤمن متى ما عرف أن الله متصف بالحمد فإنه يسعى إلى حمده تعالى على كل حال بكل وسيلة ممكنة ومشروعة في السراء والضراء والشدة والرخاء والعسر واليسر وفيما يحب ويكره، فهو الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فله من الأسماء الحسنى أحسنها، ومن الصفات أكملها وأعلاها، وأن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل والعدل، وهو أهل لكل المحامد وليس ذلك لأحد إلا الله تعالى. قال الإمام ابن القيم: وبالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناء جميل وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو حمد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده (١).

قال القرطبي: فيجب على كل مكلف أن يعتقد أن الحمد على الإطلاق إنما هو لله وأن الألف واللام للاستغراق لا للعهد، فهو الذي يستحق جميع المحامد بأسرها، فنحمده على كل نعمة وعلى كل حال بمحامده كلها ما علم منها وما لم يعلم ... ثم يجب عليه أن يسعى في خصال الحمد وهي التخلق بالأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة (٢). منهج الإمام ابن قيم الجوزية في شرح أسماء الله الحسنى لمشرف بن علي بن عبد الله الحمراني الغامدي – ص: ٣٩٦

فكلمة (الحمد لله) كلمة عظيمة جليلة القدر، كثيرة النفع، لها فضل عظيم وثواب جزيل وأجر جسيم عند الله. حيث أعطى من فضله وكرمه هذا المقدار العظيم لقائل هذا القول اليسير، الذي يمكن أن يقوله القائل في جميع الأحوال والأوقات، من غير تكلف بدن ولا مال.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أحرك شفتي، فقال لي: ((بأي شيء تحرك شفتيك يا أبا أمامة؟ فقلت: أذكر الله يا رسول الله، فقال: ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السماوات والأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن. تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك)) (٣).

ومن نظر بعين المعرفة في هذا، استكثر منه طمعاً بالخير العظيم, والأجر الجسيم، والعطاء الجليل، والجود الجميل.

(فلله تعالى الحمد والشكر والثناء، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون، وأعلى ما يتمنون، وآتاهم من كل ما سألوه، لا نحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه) (٤).

ومن أجل نعم الله على الإطلاق، التي يستحق عليها الحمد، ما تعاقب الليل والنهار: نعمة الإسلام. فهي النعمة الحقيقية الكبيرة العظيمة على عباده، قال الله تعالى: اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: ٣].


(١) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٥)، وانظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: ١٣٠ - ١٣٢).
(٢) ((الأسنى في شرح الأسماء الحسنى للقرطبي)) (١/ ١٩٠).
(٣) رواه ابن خزيمة (١/ ٣٧١) (٧٥٤)، والطبراني (٨/ ٢٣٨) (٧٩٣٠). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٢٦١٥).
(٤) ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: ٦٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>