للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو سعيد الدارمي رحمه الله: فظاهر القرآن وباطنه يدل على ما وصفنا من ذلك، نستغني فيه بالتنزيل عن التفسير، ويعرفه العامة والخاصة، فليس منه لمتأول تأول، إلا لمكذب به في نفسه مستتر بالتأويل.

ويلكم!! إجماع من الصحابة والتابعين وجميع الأمة، من تفسير القرآن والفرائض والحدود والأحكام: نزلت آية كذا في كذا، ونزلت آية كذا في كذا، ونزلت سورة كذا في مكان كذا، ولا نسمع أحداً يقول: طلعت من تحت الأرض، ولا جاءت من أمام ولا من خلف ولكن كله: نزلت من فوق. وما يصنع بالتنزيل من هو بنفسه في كل مكان؟

إنما يكون شبه مناولة لا تنزيلاً من فوق السماء مع جبريل، إذ يقول سبحانه وتعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: ١٠٢]، والرب بزعمكم الكاذب في البيت معه وجبريل يأتيه من خارج، هذا واضح، ولكنكم تغالطون.

فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سمواته، وبان من خلقه، فإنما يعبد غير الله ولا يدري أين الله اهـ (١).

٧ - قول الله تعالى عن فرعون وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [غافر: ٣٦ - ٣٧]، دليل على أن فرعون كان يريد الإطلاع إلى الله تعالى في السماء، وذلك أن موسى وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانوا يدعونهم إلى الله بذلك.

وأما الأحاديث التي تدل على (العلو) فهي كثيرة منها:

١ - حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: وكان لي جارية ترعى غنماً لي قبل (أحد والجوانية) فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قالت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال ((ائتني بها)) فأتيته بها فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟)) قالت: أنت رسول الله. قال: ((اعتقها فإنها مؤمنة)) (٢).

قال أبو سعيد الدارمي: ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن، ولو كان عبداً فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنه، إذ لا يعلم أن الله في السماء اهـ (٣).

٢ - الأحاديث الكثيرة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، وقد تواترت (٤) وأجمع عليها سلف الأمة وأئمتها.

٣ - حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل ... )) (٥).

٤ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم – وهو أعلم بهم – كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون)) (٦).

٥ - حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) (٧).

٦ - حديث أبي سعيد الخدري: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال فقسمها .. وفيه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء؟ ... )) (٨).

٦ - حديث أنس أن زينب كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول (زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات) (٩). وفي رواية (وكانت تقول: عن إن الله أنكحني في السماء) (١٠). وغيرها من الأحاديث. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ٣٠٨


(١) ((الرد على الجهمية)) (ص: ٥٥).
(٢) رواه مسلم (٥٣٧). من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه.
(٣) ((الرد على الجهمية)) (ص: ٣٩).
(٤) ذكر ذلك ابن القيم في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص: ٢٩).
(٥) رواه مسلم (١٧٩).
(٦) رواه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٣٢).
(٧) رواه مسلم (١٤٣٦).
(٨) رواه البخاري (٤٣٥١)، ومسلم (١٠٦٤).
(٩) رواه البخاري (٧٤٢٠). من حديث أنس رضي الله عنه.
(١٠) رواه البخاري (٧٤٢١). من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>