للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخاطب بالشيء عاما ظاهرا تريد به العام ويدخله الخصوص، ومثاله من القرآن الكريم: قوله تعالى: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا [النساء: ٧٥] فكل أهل القرية لم يكن ظالما، وإنما كان فيهم المسلم، لكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم (١).

وتخاطب بالشيء عاما ظاهرا تريد به الخاص، مثاله: قوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: ٦] ودل القرآن على أن وقودها إنما هو بعض الناس، لا كلهم، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء: ١٠١] (٢).

وتخاطب بالشيء ظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، مثاله: قوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [يوسف: ٨٢] والمراد: أهل القرية، وأهل العير (٣).

وكل هذا موجود العلم به في أول الكلام أو وسطه أو آخره، ثم قال الشافعي رحمه الله – بعد أن ذكر بعض تصرفات العرب في لسانها وفطرته في الكلام والبيان – قال: (فمن جهل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة، فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته: كانت موافقته للصواب – إن وافقه من حيث لا يعرفه – غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور) (٤) وذلك لأنه أتى البيت من غير بابه، ورام الوصول إلى الغاية من غير طريقها، ولهذا قال الحسن رحمه الله: (أهلكتهم العجمة؛ يتأولونه – أي القرآن - على غير تأويله) (٥).

.... والمقصود هنا بيان أن نصوص القرآن والسنة عربية في ألفاظها وأساليبها، ولا يفهمها إلا من كان عربيا في لسانه وفهمه، وكلما كان علمه بلسان العرب وأساليبها في الكلام أعمق كان فهمه للكتاب والسنة أرسخ. منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان علي حسن- ٢/ ٤٣٧


(١) ((الرسالة)) (٥٤).
(٢) ((الرسالة)) (٦٢).
(٣) ((الرسالة)) (٨٤).
(٤) ((الرسالة)) (٥٣).
(٥) رواه عنه البخاري في كتاب ((التاريخ الكبير)) (٥/ ٩٣) برقم: ٢٥٩ – دار الكتب العلمية – بيروت (بدون رقم الطبعة وتاريخها).

<<  <  ج: ص:  >  >>