للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام رحمه الله في تصوير حال هؤلاء المحرفين: (أنهم تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة وهم - في الحقيقة – لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا؛ لكن أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص – نصوص المعاد – نظير ما ادعوه في نصوص الصفات، فقالوا لهم: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بمعاد الأبدان، وقد علمنا فساد الشبهة المانعة.

وأهل السنة يقولون لهم: ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات. ونصوص الصفات في الكتب الإلهية: أكثر وأعظم من نصوص المعاد. ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد، وقد أنكروه على الرسول، وناظروه عليه؛ بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئاً منها أحد من العرب.

فعلم إن إقرار العقول بالصفات، أعظم من إقرارها بالمعاد، وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات، فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به، وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به؟!) (١).

وكما أن هذا التناقض لازم لكل محرف سواء كان تحريفه كلياً أو جزئياً، فإن أصحاب التحريف الجزئي من المتكلمين كالكلابية والأشاعرة يلزمهم لازم أخص وهو أن: (القول في بعض الصفات كالقول في بعض. فإن كان المخاطب ممن يقر بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازاً، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات. قيل له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل، وإن قلت: له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به) (٢). وحسبك بالتناقض والاضطراب دليلاً على فساد المنهج (٣). مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص ١١٩


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣).
(٢) ((التدمرية, ابن تيمية)) (٣١ - ٣٢).
(٣) يراجع في إبطال مذهب أهل التأويل كتاب: ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)) فقد توسع مؤلفه رحمه الله في سرد أوجه بطلانه بما لم يجتمع في غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>