للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث جاء عند مسلم بلفظ: ((لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)) (١).

والمقصود: أن الروايات المطلقة في بعض الأحاديث تحمل على الروايات المقيدة، فإن من قواعد أصول الفقه حمل المطلق على المقيد إذا اتحد المحل والحكم (٢)، وهنا هكذا، لهذا قال الحافظ ابن حجر عند شرح الحديث: (أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبداً) (٣). ولا شك أن هؤلاء البعض هم المحدثون, ومتبعوا الآثار لا غيرهم من القبوريين كما نص عليه السلف.

ومما يتشبث به القبوريون في هذا الباب:

٥ - عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى)) فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ إن ذلك تام، قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم)) (٤).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ... حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) (٥).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يبرح هذا الدين قائماً عليه عصابة المسلمين حتى تقوم الساعة)) (٦).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك، فقال عبد الله بن عمرو: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير، لا تترك إنساناً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة)) (٧).

وجه الاستدلال: (في هذه الأحاديث الصحيحة أبين دلالة على بطلان مذهبكم؛ وهي أن جميع هذه الأحاديث مصرحة بأن الأصنام لا تعبد في هذه الأمة إلا بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين آخر الدهر) (٨).

ويجاب عن هذه الشبهة من عدة أوجه:

أولاً: مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيان وقت ظهور الشرك بصفة عامة بحيث يطغى على التوحيد, ويسيطر على حاملي لواء التوحيد ويستأصلهم، فذكر: أن هذا يحدث في أواخر أيام الدنيا، قبل انعقاد القيامة الكبرى، وبعد خروج الريح القابضة لأنفس جميع المؤمنين حتى لا تبقى هذه الطائفة المنصورة والناجية على ظهر الأرض (٩)، والذي يدل عليه فهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو حيث إنه عقب على قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال عصابة ... الحديث)) بقوله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك ... إلخ.


(١) رواه البخاري (٧٣١١)، ومسلم (١٩٢١). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(٢) انظر ما ذكره ابن قدامة في ((روضة الناظر)) (٢/ ١٩٢).
(٣) ابن حجر في ((الفتح)) (١/ ١٦٤).
(٤) رواه مسلم (٢٩٠٧).
(٥) رواه أبو داود (٢٤٨٤)، وأحمد (٤/ ٤٣٧) (١٩٩٣٤)، والطبراني (١٨/ ١١٦) (٢٢٨)، والحاكم (٢/ ٨١). من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن جرير في ((مسند عمر)) (٢/ ٨٢٤): إسناده صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٧٢٩٤).
(٦) رواه مسلم (١٩٢٢). من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(٧) رواه مسلم (١٩٢٤). من حديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(٨) سليمان بن عبد الوهاب: ((الصواعق الإلهية)) (ص: ٥٠).
(٩) انظر توجيه الحافظ ابن حجر وتطبيقه بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض: في ((الفتح)) (١/ ١٦٤، و١٣/ ٢٩٤، و١٣/ ٧٦ - ٧٧)، وانظر ما ذكره شيخنا عبد الله محمد الغنيمان في ((شرح كتاب التوحيد للبخاري)) (٢/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>