للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث إنما يبين التحديد الزمني لفشو الشرك في هذه الأمة حتى لا يبقى في ظهر الأرض إلا مشرك، وليس المراد منه عدم وقوع الشرك في هذه الأمة كما ظنه بعض مدعي العلم والمعرفة، وإلا يكون هذا الفهم مخالفاً للأحاديث الصحيحة الأخرى ومخالفاً للواقع.

وأما استدلاله بهذا الحديث على عدم وقوع الشرك في هذه الأمة، فليس فيه ما يدل عليه، وقد بينا المراد من الحديث، ثم إن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين كما هو معلوم لدى كل واحد من أهل العلم.

ومما يتشبث به القبوريون أيضاً في إثبات شبهتهم:

٦ - قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... [آل عمران: ١١٠].

وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ... [البقرة: ١٤٣].

وجه الاستدلال: (أن الأمة ليس فيها من يعمل الكفر، وأنها أمة صالحة كلها – من أولها إلى آخرها – ليس فيها شرك) (١).

ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:

أولاً: أنهم تركوا من الآيتين ما هو دليل عليهم، وذلك: (أن الله وصف خير أمة أخرجت للناس بثلاث صفات وهي لأهل الإيمان خاصة، وليس لأهل الكفر والشرك، والنفاق والبدع والفسوق فيها نصيب، فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ، فليس المشركون والمنافقون من خير أمة ... بل هم شرار الأمة ... ) (٢).

ثانياً: (كل أهل الملل من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة من أمته أرسل إليهم وكلهم من أمة محمد، وهم أمة الدعوة ... ومن لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه من هذه الملل الخمس فهو في النار، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة: ٦] فأخبر تعالى أنهم في النار مع كونهم من هذه الأمة.

وأما استدلاله بقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهم المعنيون بهذه الأمة، ومن كان مثلهم من أهل الإيمان لحق بهم، وأما الكفار والمشركون والمنافقون فهم أعداء الأمة الوسط في كل زمان ومكان، ولا يمكن أحد أن يزعم أنهم من الأمة الوسط إلا مثل هذا الجاهل الذي يقول: ليس في الأمة كافر ولا مشرك ... ) (٣).

ويبين الشيخ عبد الرحمن بن حسن جانباً من البدع والشرك والضلال الذي وقع في هذه الأمة، ... (مثل المرتدين في عهد الصديق، والخوارج زمن علي بن أبي طالب، والقدرية، والجهمية الجبرية، ودولة القرامطة، الذين وصفهم شيخ الإسلام بأنهم أشد الناس كفراً، والبويهيين، والعبيديين وغيرهم) (٤).

وبالجملة: (هذا المعترض مموه بلفظ الأمة ملبس، قال تعالى في ذم هذا الصنف من الناس وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٤٢].


(١) انظر ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن بعضهم في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (٢/ ٥٤).
(٢) ((مجموع الرسائل والمسائل)) (٢/ ٥٤، ٥٥) بتصرف. وانظر رد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على الاستدلال بالآيتين السابقتين كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ووَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ونحوهما، ((الدرر السنية)) (٩/ ٣٥٤، ٣٥٦).
(٣) مجموعة ((الرسائل والمسائل)) (٢/ ٥٧، ٦١)، وانظر رسالة الشيخ عبد الرحمن بن حسن ((التوحيد وطروء الشرك على المسلمين في الجامع الفريد)) (ص: ٣٤٣ - ٣٤٥).
(٤) الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في ((مجموعة الرسائل)) (٢/ ٦٢ - ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>