للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من أعظم اللبس والخلط والتمويه، والأمة تطلق ويراد بها عموم أهل الدعوة، ويدخل فيها من لم يستجب لله ورسوله، وتطلق أيضاً ويراد بها: أهل الاستجابة المنقادين لما جاءت به الرسل، ومن لم يفصل ويضع النصوص (في غير) مواضعها فهو من الجاهلين الملبسين) (١).

ويكشف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن أصل هذه الشبهة وسبب حدوثها، فقال: (أعلم أن هذ المعترض لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد، بل ظن أنه مجرد قول بلا معرفة ولا اعتقاد، وإلا فالتصريح بالشهادتين في هذه الأزمان والإتيان بهما ظاهرا هو نفس التصريح بالعداوة، ولأجل عدم تصوره أنكر هذا، ورد إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين، ودعاهم وتوكل عليهم، وقرب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلا الله) (٢).

ويظهر جهل القائل بهذا القول حين لم يفرق بين أمة الإجابة، وأمة الدعوة، وقد رد الشيخ عبد اللطيف ذلك الاشتباه، فقال: (ليس كل من وصف بأنه من الأمة يكون من أهل الإجابة والقبلة، وفي الحديث: ((ما من أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار)) (٣) ... وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا [النساء: ٤٢] فدلت هذه الآية على أن هؤلاء الكافرين من الأمة التي يشهد عليهم صلى الله عليه وسلم ... والأمة في مقام المدح والوعد يراد بها أهل القبلة وأهل الإجابة، وتطلق في مقام التفرق والذم ويراد بها غيرهم، فلكل مقام مقال) (٤).

ومما يتشبث به القبوريون أيضاً في هذا الباب:

٧ - قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) (٥).

وجه الاستدلال: (دعاؤه مستجاب) (٦)، يعني فلا يمكن أن يكون هناك شرك عند قبر الرسول.

ويجاب عن هذه الشبهة: بأن دعاء الرسول مستجاب لا شك فيه، ولهذا قد أحاطه الله بأسوار وجدران (٧)، فلا أحد يستطيع أن يسجد لقبره مباشرة كائناً من كان، وليس فيه أي دليل على أن أحداً لا يشرك بالله جل وعلا بعبادة النبي مثلاً أو بإثبات خصائص الربوبية في الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا واقع، والواقع خير دليل في هذا المجال، فكم من الغالين في الرسول مثلاً يدعي فيه خصائص الربوبية، ...

وأيضا مما يتشبث به القبوريون في هذا الباب:


(١) عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: ((مصباح الظلام)) (ص: ٣٠).
(٢) انظر قول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في ((مصباح الظلام)) (ص: ٣٦).
(٣) رواه أحمد (٢/ ٣٥٠) (٨٥٩٤). وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (٢/ ٦٦) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(٤) عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: ((مصباح الظلام)) (ص: ٣٤١).
(٥) رواه مالك (١/ ١٧٢) من حديث عطاء بن يسار, وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٢/ ١٥٠) من حديث زيد ابن أسلم, قال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (٢/ ٣٤٧): روي متصلا مسنداً, وقال في ((التمهيد)) (٥/ ٤١): مرسل غريب وهو صحيح, وقال ابن تيمية في ((حقوق آل البيت)) (٥٨): ثابت. وصححه الألباني في ((مشكاة المصابيح)) (١/ ١٦٥). ورواه أحمد (٢/ ٢٤٦) (٧٣٥٢) وأبو يعلى (٦٦٨١) والحميدي (٢/ ٤٤٥) متصلا من حديث أبي هريرة بنحوه. وصحح إسناده الألباني في ((تحذير الساجد)) (٢٥).
(٦) انظر ما قاله ((محمد العلوي المالكي في مفاهيمه)) (ص: ح).
(٧) ((النونية)) (٢/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>