للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنها دعاء الاستخارة المشهور الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه إذا هموا بأمر كما كان يعلمهم القرآن، وهو: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به)) (١).

ومنها: ((اللهم أصلح لي ديني، الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)) (٢) و: ((اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ... )) (٣) و: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) (٤) و: ((اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك)) (٥) و: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد نعوذ بك من النار)) (٦). ومثل هذه الأدعية في السنة كثير، ولا نجد فيها دعاء واحداً ثابتاً فيه شيء من التوسل المبتدع الذي يستعمله المخالفون.

ومن الغريب حقاً أنك ترى هؤلاء يعرضون عن أنواع التوسل المشروعة السابقة.

فلا يكادون يستعملون شيئاً منها في دعائهم أو تعليمهم الناس مع ثبوتها في الكتاب والسنة وإجماع الأمة عليها، وتراهم بدلاً من ذلك يعمدون إلى أدعية اخترعوها، وتوسلات ابتدعوها لم يشرعها الله عز وجل، ولم يستعملها رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن سلف هذه الأمة من أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة، وأقل ما يقال فيها: إنها مختلف فيها، فما أجدرهم بقوله تبارك وتعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ َ خَيْرٌ [البقرة:٦١].

ولعل هذا أحد الشواهد العملية التي تؤكد صدق التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي رحمه الله حيث قال: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سننهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة) (٧).

هذا ولم ننفرد نحن بإنكار تلك التوسلات المبتدعة، بل سبقنا إلى إنكارها كبار الأئمة والعلماء، وتقرر ذلك في بعض المذاهب المتبعة، ألا وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، فقد جاء في (الدر المختار) (٢/ ٦٣٠) – وهو من أشهر كتب الحنفية – ما نصه:


(١) [٣٧٣٥])) رواه البخاري (١١٦٢).
(٢) [٣٧٣٦])) رواه مسلم (٢٧٢٠).
(٣) رواه النسائي (٣/ ٥٥) وأحمد (٤/ ٢٦٤) وابن حبان (٥/ ٣٠٤) والحاكم (١/ ٧٠٥) وأبو يعلى (٣/ ١٩٥) من حديث عمار بن ياسر, قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٧٧): رجاله ثقات إلا أن عطاء بن السائب اختلط, وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٣٠١).
(٤) [٣٧٣٨])) رواه مسلم (٢٧٢١).
(٥) [٣٧٣٩])) رواه الترمذي (٣٥٠٢) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ١٠٧) من حديث عبد الله بن عمر, قال الترمذي هذا حديث حسن غريب, وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (٤٨٢): غاية رتبة هذا الحديث أن يكون حسنا, وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)).
(٦) [٣٧٤٠])) رواه الطبراني (١/ ١٩٥) والحاكم (٣/ ٧٢١) من حديث أسامة بن عمير, والحديث سكت عليه الحاكم والذهبي, وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (١/ ٣٧٣): حسن وله شاهد, وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٣٠٤).
(٧) [٣٧٤١])) رواه الدارمي (١/ ٥٨) , واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (١/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>