للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه، المأمور به.

ما استفيد من قوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: ١٨٠]).

ونحوه في (الفتاوى الهندية) (٥/ ٢٨٠). وقال القُدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بـ (شرح الكرخي) في (باب الكراهة): (قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، وهو قول أبي يوسف، قال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله، فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام، قال القُدوري: المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق، فلا تجوز وفاقاً). نقله شيخ الإسلام في (القاعدة الجليلة) وقال الزبيدي في (شرح الإحياء) (٢/ ٢٨٥): (كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام، ونحو ذلك، إذ ليس لأحد على الله حق، وكذلك كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الداعي: ((اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك)) (١)، وأجازه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه).

أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) وقال: (هذا حديث موضوع بلا شك)، وأقره الحافظ الزيلعي في (نصب الراية) (٢) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: (أسألك بمعاقد العز من عرشك) يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل، فهو توسل مشروع بأدلة أخرى كما سبق، تغني عن هذا الحديث الموضوع. قال ابن الأثير رحمه الله: (أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء).

فعلى الوجه الأول من هذا الشرح، وهو الخصال التي استحق بها العرش العز، يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش، فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل لعدم ثبوته، فنكتفي بما سبق. التوسل أنواعه وأحكامه لمحمد ناصر الدين الألباني – ص ٣٤

- والذي قاله أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء - من أنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق، لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك - يتضمن شيئين:

- أحدهما: الإقسام على الله سبحانه وتعالى به، وهذا منهيٌّ عنه عند جماهير العلماء كما تقدم، كما ينهى أن يقسم على الله بالكعبة والمشاعر باتفاق العلماء.

- والثاني: السؤال به، فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس، لكنَّ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذي علَّمه أن يقول: ((أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)) (٣) .. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية– ص١١٤


(١) [٣٧٤٢])) والحديث رواه الطبراني (٢٥/ ١٢) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (١/ ٣٢٤) من حديث قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها, قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٨٣): إسناده حسن, وروى البيهقي في ((كتاب الدعوات الكبير)) (١/ ٤٢٤) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه, قال ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (٢/ ٤٦٤): موضوع بلا شك, وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (١/ ٣٢٨): (فيه) عامر بن خداش هذا هو النيسابوري قال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي وهو متروك متهم, وقال السخاوي في ((القول البديع)) (٣٢٩): سنده واه بمرة, وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (٢٣٣): موضوع, وقال الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (٤١٨): موضوع.
(٢) [٣٧٤٣])) انظر ((نصب الراية)) (٤/ ٣٣٨).
(٣) [٣٧٤٤])) رواه الترمذي (٣٥٧٨) وابن ماجه (١٣٨٥) وأحمد (٤/ ١٣٨) (١٧٢٧٩) والطبراني (٩/ ٣٠) وابن خزيمة في ((صحيحه)) (٢/ ٢٢٥) وعبد بن حميد (١/ ١٤٧) من حديث عثمان بن حنيف, قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (٢٣٠): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>