للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن الحديث لو صح فلا يدل إلا على مثل ما دل عليه حديث عمر، وحديث الأعمى من التوسل بدعاء الصالحين. قال المناوي في (فيض القدير): ((كان يستفتح)) أي يفتتح القتال، من قوله تعالى: إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال:١٩] ذكره الزمخشري.

((ويستنصر)) أي يطلب النصرة ((بصعاليك المسلمين)) أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم.

... وقد جاء هذا التفسير من حديثه، أخرجه النسائي (٢/ ١٥) بلفظ: ((إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم)) (١) وسنده صحيح، وأصله في (صحيح البخاري)، فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين،

لا بذواتهم وجاههم.

ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع المتقدمة بلفظ: ((كان يستفتح ويستنصر ... )) فقد علمنا بهذا أن الاستنصار بالصالحين يكون بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم، وهكذا الاستفتاح، وبهذا يكون هذا الحديث – إن صح – دليلاً على التوسل المشروع، وحجة على التوسل المبتدع، والحمد لله.

الحديث السادس:

عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: ((لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم ‍! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتُك)) (٢).

أخرجه الحاكم في (المستدرك) (٢/ ٦١٥) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري: حدثنا إسماعيل بن مسلمة: أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر. وقال: صحيح الإسناد ...

فتعقبه الذهبي فقال: (قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا) قلت: ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه أنه أورد فيه (٣/ ٣٣٢) حديثاً آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه، بل قال: (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد!).

... والفهري هذا أورده الذهبي في (الميزان) وساق له هذا الحديث وقال: (خبر باطل)، وكذا قال الحافظ ابن حجر في (اللسان) (٣/ ٣٦٠) وزاد عليه قوله في الفهري هذا: (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) قلت: والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد، قال الحافظ: ذكره ابن حبان، متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة).

... والحديث رواه الطبراني في (المعجم الصغير) (ص٢٠٧): ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري: ثنا أحمد بن سعيد المدني الفهري: ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به. وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في (مجمع الزوائد) (٨/ ٢٥٣): (رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم).

...


(١) [٣٧٩٩])) رواه النسائي (٦/ ٤٥) (٣١٧٨) , وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢/ ٤٠٩): إسناده صحيح على شرط الشيخين. والحديث أصله في ((صحيح البخاري)) (٢٨٩٦).
(٢) [٣٨٠٠])) رواه الحاكم (٢/ ٦٧٢): وقال هذا حديث صحيح الإسناد, وتعقبه الذهبي وقال: بل موضوع, وقال البيهقي في ((دلائل النبوة)) (٥/ ٤٨٩): تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه عنه وهو ضعيف, وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٢/ ٢٩٩): [فيه] عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وفيه كلام, وقال الألباني في ((التوسل)) (١٠٣): موضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>