للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود هنا بيان أن الشرع هو الحاكم والميزان والمزكي، وأن كل الأقوال, والاعتقادات, والأحوال مردودة مرفوضة إلا ما قبله الشرع منها وزكاه، ومن عكس انعكس قلبه وانتكس إيمانه ...

المقام الثاني: المتابعة الصحيحة للشريعة تقتضي إلهامات وأحوالاً صادقة:

إن المؤمن إذا صحت معرفته بالله, ورسوله, ودينه، وصدقت متابعته للشرع ظاهراً وباطناً، يفتح الله عليه بما لا يفتح على غيره، من إلهامات صحيحة، وفراسات صائبة، وأحوال صادقة:

قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء: ٦٦] وقال تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٨٢] (١).

وجاء في صفة الدجال: (مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب) (٢) قال ابن تيمية رحمه الله: (فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين لغيره، ولا سيما في الفتن، وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله. . وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف ... ) (٣).

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون, فإنه تتجلى لهم أمور صادقة) (٤).

وقال أبو عثمان النيسابوري: (من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: ٥٤]) (٥).

وقال شاه الكرماني: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشبهات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة) (٦).

المقام الثالث: خرق العادة لا يدل على الولاية

قد يظهر شيء – مما يظن أنه كرامة – على يد أهل الرياضة، وترك الاستكثار من الطعام والشراب، والملازمين للسهر والخلوات، وذلك على ترتيب معلوم، وقانون معروف لديهم .. فيحصل للواحد منهم نوع صفاء من الكدورات البشرية، حتى يدرك ما لا يدركه غيره، فيخبر بموت فلان الغائب، أو بقدومه في وقت كذا، ونحو ذلك، وليس في هذا ما يدل على أنه كرامة، أو أنه ولي الله، بل يتفق ذلك لكثير من المرتاضين، من كفرة الهند وغيرهم (٧).


(١) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١٣/ ٤٥).
(٢) ((صحيح مسلم)) (٤/ ٢٢٤٩) كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب ذكر الدجال وصفته وما معه. الحديث يلي الرقم: ٢٩٣٤.
(٣) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٢٠/ ٤٥).
(٤) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١٠/ ٤٧٣).
(٥) ((الجامع لأخلاق الراوي)) (١/ ٨٠) باب أدب الطلب، وانظر ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١١/ ٢١٠) و ((قطر الولي)) (٢٥٢).
(٦) ((طبقات الأولياء)) (٣٦١) و ((مشتهى الخارف)) (٢٦٨) و ((قواعد التحديث للقاسمي)) (١٤٩).
(٧) انظر: ((مدارج السالكين)) (١/ ٤٧ - ٤٨)، و ((قطر الولي)) (ص: ٢٥٣)، و ((التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)) للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩) بتحقيق: محمد ناصر الدين الألباني – طبعة الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الطبعة الثانية ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م – الرياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>