للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الأماكن: جبل ثور، وغار حراء، وجبل عرفات، والأماكن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، والمساجد السبعة التي قرب الخندق، والمكان الذي يزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه – مع أنه مختلف في مكان ولادته عليه الصلاة والسلام اختلافاً كثيراً – ومثل الأماكن التي قيل إنه ولد فيها نبي أو ولي أو عاشوا فيها ونحو ذلك – مع أن كثيراً من ذلك لم يثبت -.

فلا يجوز للمسلم قصد زيارة هذه الأماكن للتعبد لله تعالى عندها، أو فوقها، بصلاة أو دعاء أو غيرهما، كما لا يجوز للمسلم مسح شيء من هذه الأماكن لطلب البركة، ولا يشرع صعود هذه الجبال لا في أيام الحج ولا غيرها، حتى جبل عرفات، لا يشرع صعوده في يوم عرفة، ولا غيره، ولا التمسح بالعمود التي فوقه، وإنما يشرع الوقوف عند الصخرات القريبة منه إن تيسر، وإلا وقف الحاج في أي مكان من عرفات.

ولذلك لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه قصد شيئاً من هذه الأماكن للتبرك بها بتقبيل أو لمس أو غيرهما ولا أن أحداً منهم قصدها للتعبد لله فيها.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى)) (١) رواه البخاري ومسلم، وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هو ثاني الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم (أنه لما رأى الناس وهو راجع من الحج ينزلون فيصلون في مسجد، فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من مر بشيء من هذه المساجد فحضرت الصلاة فليصل، وإلا فليمض) (٢).

فهذا قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) (٣). وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر – رضي الله عنهما – ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) (٤).

وهو – أي قول عمر السابق – يدل على التحذير من التبرك بالأماكن التي مر بها أو تعبد فيها نبينا صلى الله عليه وسلم دون قصد لها، وعلى عدم مشروعية قصد هذه الأماكن للتعبد لله فيها، وعلى هذا أجمع سلف هذه الأمة وكل من سار على طريقتهم؛ ولأن ذلك من المحدثات التي لا دليل عليها.


(١) رواه البخاري (١١٩٧)، ومسلم (٨٢٧).
(٢) رواه عبد الرزاق (٢/ ١١٨) (٢٧٣٤). قال ابن تيمية في ((التوسل والوسيلة)) (٢٠٣)، وابن كثير في ((مسند الفاروق)) (١/ ١٤٢): إسناده صحيح.
(٣) [٣٩٥٨])) رواه الترمذي (٣٦٨٢) , وأحمد (٢/ ٥٣) (٥١٤٥) , وابن حبان (١٥/ ٣١٨) , والحاكم (٣/ ٩٣) , والطبراني في ((الأوسط)) (٣/ ٣٣٨) , قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٧/ ١٣٣): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)). والحديث روي عن أبي هريرة, ومعاوية ابن أبي سفيان, وأبو ذر الغفاري, وبلال, رضي الله عنهم.
(٤) رواه الترمذي (٣٦٦٣، ٣٧٩٩) وابن ماجه (٩٧) , وأحمد (٥/ ٣٨٥) (٢٣٣٢٤). وقال: هذا حديث حسن. وحسنه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٥)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٧٩). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>