للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - لو ثبت أنه عليه الصلاة والسلام صلى ليلة الإسراء في بيت لحم، لم يكن في ذلك ما يؤيد جواز الصلاة في مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم تبركاً واحتساباً للأجر، لعدم صحة القياس في أمور العبادة، فهي توقيفية.

فضلاً عن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بتعظيم بيت لحم، ولم يأمرها بالصلاة فيه، ولم يكن أحد من الصحابة رضي الله عنهم يعظم بيت لحم ويصلي فيه (١)، فليس في إتيانه فضيلة عند المسلمين كما تقدم، وكذا مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم. التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع – ص: ٣٥٥

النوع الثاني: التبرك بالأولياء والصالحين

وردت أدلة كثيرة تدل على مشروعية التبرك بجسد وآثار النبي صلى الله عليه وسلم، كشعره وعرقه وثيابه وغير ذلك.

أما غير النبي صلى الله عليه وسلم من الأولياء والصالحين فلم يرد دليل صحيح صريح يدل على مشروعية التبرك بأجسادهم ولا بآثارهم، ولذلك لم يرد عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من التابعين أنهم تبركوا بجسد أو آثار أحد من الصالحين، فلم يتبركوا بأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه, ولا بغيره من العشرة المبشرين بالجنة، ولا بأحد من أهل البيت ولا غيرهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لحرصهم الشديد على فعل جميع أنواع البر والخير، فإجماعهم على ترك التبرك بجسد وآثار غيره صلى الله عليه وسلم من الصالحين دليل صريح على عدم مشروعيته.

وعليه فإن من تبرك بذات أو آثار أحد من الصالحين غير النبي صلى الله عليه وسلم قد عصى الله تعالى، وعصى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وأعطى هذه الخاصية التي خص بها ربنا جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم لغيره من البشر، وسواهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فسوى عموم الأولياء والصالحين بخير البشر وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه هضم لحقه صلى الله عليه وسلم، ودليل على نقص محبته عليه الصلاة والسلام في قلب هذا المتبرك.

ومن أنواع التبرك المحرم بالصالحين:

أ) التمسح بهم, ولبس ثيابهم, أو الشرب بعد شربهم طلباً للبركة.

ب) تقبيل قبورهم، والتمسح بها، وأخذ ترابها طلباً للبركة، وقد حكى جمع من أهل العلم إجماع العلماء على أن هذا كله منهي عنه (٢)، وذكر أبو حامد الغزالي الشافعي المتوفي سنة ٥٠٥هـ، وغيره من علماء الشافعية والحنفية أن هذه الأفعال من عادات النصارى، وذكر بعض علماء الشافعية وبعض علماء الحنفية أن استلام القبور تبركاً كبيرة من كبائر الذنوب.

ج) عبادة الله عند قبورهم تبركاً بها، معتقداً فضل التعبد لله تعالى عندها، وأن ذلك سبب لقبول هذه العبادة، وسبب لاستجابة الدعاء.

النوع الثالث: التبرك بالأزمان, والأماكن, والأشياء التي لم يرد في الشرع ما يدل على مشروعية التبرك بها.

ومن أمثلة هذه الأشياء:

١ - الأماكن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو تعبد لله فيها اتفاقاً من غير قصد لها لذاتها، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان موجوداً في هذه الأماكن وقت تعبده لله تعالى بهذه العبادة، ولم يرد دليل شرعي يدل على فضلها.


(١) من كتاب ((الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي)) للشيخ حمود التويجري (ص: ٨٨) بتصرف، وانظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٨١٣).
(٢) ينظر: رسالة ((زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور)) (ص: ٢٤ - ٣٢)، ((الاستغاثة في الرد على البكري)) (١/ ٣٥٦)، ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٥٢١، ٢٦/ ٩٧، ٢٧/ ٧٩ - ١٠٩، ١٣٦ - ٢٩٤)، ((الاختيارات)) الجنائز (ص: ٩٢)، ((الصارم المنكي)) (ص: ١٠٩ - ١٧٨)، ((الزواجر)): الكبيرة (٩٣ - ٩٨، ١/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>