للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما أورده قوله: (والعجب أنهم عينوا محلاً من الدار مقدار مضجع، وقالوا له: موضع ولادته صلى الله عليه وسلم، ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف، لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها، وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها؟ وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور؟ وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار، بعد مرور الأزمان والأعصار، وانقطاع الآثار).

ثم قال أيضاً رحمه الله مستبعداً صحة تحديد ذلك المكان: (والولادة وقعت في زمن الجاهلية، وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة، سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك، وبعد مجيء الإسلام فقد علم من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتناقهم بالتقييد، بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي، لصرفهم اعتناءهم رضي الله عنهم لما هو أهم، من حفظ الشريعة، والذب عنها بالسنان واللسان) (١) اهـ.

ولا شك أن اختلاف العلماء والمؤرخين في تحديد موضع الولادة دليل على عدم اهتمام الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم به – لأنه لا يتعلق به عمل شرعي – وإلا لنقل اتفاقهم على مكان معين معروف، كما تعرف أماكن مشاعر الحج مثلاً.

فهذا إذاً من دلائل عدم مشروعية التبرك بمكان الولادة، فالصحابة أحرص من غيرهم على فعل الخير والمسارعة إليه.

الوجه الثاني: لو صحت معرفة مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم لما جاز التبرك به على أي وجه، لما تقدم تقريره والاحتجاج له ... من عدم مشروعية التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الآثار المكانية، ومكان الولادة جزء منها.

أما الاستدلال على شرعية تعظيم المكان الذي ولد فيه نبي، والتبرك به، بما روي أن جبريل عليه السلام أمر محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بصلاة ركعتين ببيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام (٢)، فيجاب عنه بما يأتي:

١ - أن علماء الحديث وغيرهم حكموا على هذه الرواية بأنها منكرة موضوعة، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بيت لحم (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ثبت في الصحيح ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين)) (٤) ولم يصل بمكان غيره ولا زاره، وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن والمسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات، مثل ما يرويه بعضهم فيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل: هذا قبر أبيك إبراهيم، انزل فصل فيه، وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى، انزل فصل فيه)) (٥) .... فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة). إلى أن قال: (وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى، ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين، سواء كان مولد عيسى أو لم يكن) (٦).

وقال ابن القيم رحمه الله: (قد قيل: إنه – أي النبي صلى الله عليه وسلم – نزل ببيت لحم، وصلى فيه، ولم يصح ذلك عنه ألبتة) (٧).


(١) ((الرحلة العياشية)) المسماة (ماء الموائد) للعياشي (١/ ٢٢٥).
(٢) من كتاب ((القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم)) للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري (ص: ٤٣، ١٣٨) نقلاً عن رسالة لمحمد بن علوي المالكي.
(٣) انظر كتاب ((القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم)) للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري (ص: ١٣٨ - ١٤٥) فقد أفاض مؤلفه وفقه الله في نقل كلام أهل العلم وحكمهم على هذه الرواية وأسانيدها.
(٤) رواه مسلم (١٦٢).
(٥) ينظر كتاب ((المجروحين)) (١/ ٢٢٥) لابن حبان.
(٦) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٨١٤).
(٧) ((زاد المعاد)) لابن القيم (٣/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>