للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (الموضع الذي كان صلى الله عليه وسلم يطؤه بقدميه الكريمتين، ويصلي عليه، لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله) (١).

وقال في موضع آخر رحمه الله: (قصد الصلاة والدعاء عندما يقال إنه قدم نبي، أو أثر نبي، أو قبر نبي ... من البدع المحدثة، المنكرة في الإسلام، لم يشرع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا كان السابقون الأولون والتابعون لهم بإحسان يفعلونه، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، بل هو من أسباب الشرك، وذرائع الإفك) (٢).

٢ - اتفق العلماء على ما مضت به السنة من أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل لمقام إبراهيم عليه السلام (٣) – الموجود به موضع قدميه – وإذا كان هذا غير مشروع في موضع قدمي إبراهيم عليه السلام – الذي لا شك فيه – مع أنا قد أمرنا أن نتخذه مصلى، فكيف بما يقال إنه موضع قدم الرسول صلى الله عليه وسلم – كذباً وافتراء (٤) -.

هذا ما يتعلق بحكم التبرك بأثر قدم الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهكذا الحكم أيضاً في كل ما قد ينسب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من آثار أخرى مشابهة، كأثر الكف, أو المرفق, أو الرأس وغير ذلك (٥)، فإنه لا يوجد لها مستند شرعي صحيح، يثبت صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أنه لا يشرع التبرك بها على أي وجه من الوجوه لو صح شيء منها، والله سبحانه وتعالى أعلم. التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع – ص: ٣٥٢

د - حكم التبرك بمكان ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم:

ذكر بعض المتأخرين من المؤرخين أن بمكة موضعاً مشهوراً يقال إنه مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يزار بعد صلاة المغرب من الليلة الثانية عشرة من شهر ربيع الأول في كل سنة، من قبل بعض الفقهاء والأعيان، على طريقة خاصة، فيدخلون فيه ويخطبون ويدعون لولاة الأمر، ثم يعودون إلى المسجد الحرام قبيل العشاء (٦).

وذكر بعضهم أن هذا الموضع يفتح يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ليتبرك به الناس – بالصلاة, والدعاء, والتمسح ونحو ذلك – فهو أول تربة مست جسمه الطاهر عليه الصلاة والسلام (٧)، وحتى ادعى بعض العلماء أن الدعاء يستجاب في مولد النبي صلى الله عليه وسلم عند الزوال (٨).

فهل التبرك بمكان ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم مشروع أم ممنوع؟.

والجواب: أن حكم هذه المسألة لا يختلف عن أمثالها من المسائل السابقة، وهو عدم الجواز، وذلك من وجهين:

الوجه الأول: اختلاف العلماء والمؤرخين في تعيين مكان ولادته صلى الله عليه وسلم (٩)، وعدم وجود أدلة صحيحة تحدد هذا الموضع يقيناً.

وأما المكان المشهور – المشار إليه آنفاً – فمحل شك لدى كثير من العلماء.

وقد تطرق الرحالة أبو سالم العياشي إلى تحقيق مكان المولد، وساق اختلاف العلماء فيه، ثم ناقش ذلك القول المشهور بين الناس.


(١) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٨٠٠).
(٢) ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) (٢٧/ ١٤٥).
(٣) انظر: ((أخبار مكة)) للأزرقي (٢/ ٢٩، ٣٠)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (١/ ٢١٢).
(٤) ((الاقتضاء)) (٢/ ٧٩٩، ٨٠٠) بتصرف.
(٥) انظر: ((الآثار النبوية)) لأحمد تيمور باشا (ص: ٦١، ٦٢).
(٦) من كتاب ((الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف)) لابن ظهيرة – المتوفى سنة ٩٨٦هـ - (ص: ٣٢٦)، و ((كتاب إعلام العلماء الأعلام)) للقطبي – المتوفى سنة ١٠١٤هـ (ص: ١٥٤) باختصار.
(٧) ((رحلة ابن جبير)) (ص: ٩٢) بتصرف.
(٨) انظر: ((إعلام العلماء والأعلام)) للقطبي (ص: ١٥٤).
(٩) انظر مثلاً ((شفاء الغرام)) (١/ ٢٦٩)، ((الجامع اللطيف)) (ص: ٣٢٥ - ٣٢٧)، ((أخبار الكرام)) (ص: ٢٢٠، ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>