للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة من تحريم بناء المساجد على القبور. وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك أعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد سُئل رحمه الله بما نصه: هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يُمهد القبر أو يُعمل عليه حاجز أو حائط؟

فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبرٍ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)) (١).

وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسويةِ القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً، وإن كان المسجد بُني بعد القبر فإما أن يُزال المسجد، وإما أن تُزال صورة القبر؛ فالمسجد الذي على القبر لا يُصلّى فيه فرض ولا نفل فإنه منهيٌ عنه (٢).

وقد تبنّت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنصّ على عدم جواز الدفن في المسجد فليراجعها من شاء في (مجلة الأزهر) (٣)

وقال ابن تيمية: يحرم الإسراج على القبور واتخاذ المساجد عليها وبينها ويتعين إزالتها ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين (٤) ...

وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور فنحذّر المؤمنين من مخالفتهم والخروج عن طريقتهم خشية أن يشملهم وعيد قوله عز وجل: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:١١٥] وإِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:٣٧]. تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد لمحمد ناصر الدين الألباني - ص١٠

فأما العكوف والمجاورة عند شجرة أو حجر، تمثال أو غير تمثال، أو العكوف والمجاورة عند قبر نبي، أو غير نبي، أو مقام نبي أو غير نبي، فليس هذا من دين المسلمين. بل هو من جنس دين المشركين، الذين أخبر الله عنهم بما ذكره في كتابه، حيث قال: وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [الأنبياء:٥١ - ٥٨].


(١) رواه مسلم (٥٣٢). من حديث جندب رضي الله عنه.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ١٠٧)، و (٢/ ١٩٢).
(٣) ((مجلة الأزهر)) (١١٢/ ٥٠١، ٥٠٣).
(٤) ((الاختيارات العلمية)) (ص٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>