للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرّم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلط في ذلك، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة، أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المعنى الاصطلاحي الحادث! (١) ...

٢ - مذهب الحنفية الكراهة التحريمية:

والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة: لا نرى أن يُزاد على ما خرج من القبر ونكره أن يُجصص أو يُطين أو يُجعل عنده مسجدا (٢).

والكراهة عند الحنفية إذا أُطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم ...

٣ - مذهب المالكية التحريم:

وقال القرطبي - بعد أن ذكر الحديث الخامس (٣) -: قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد (٤).

٤ - مذهب الحنابلة التحريم:

ومذهب الحنابلة التحريم أيضا كما في (شرح المنتهى) (٥) وغيره بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ووجوب هدمها فقال ابن القيم في (زاد المعاد) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه؛ قال: ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يُعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها، وهدمها كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه وهو مسجد يُصلى فيه ويُذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين ومأوى للمنافقين وكل مكانٍ هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله إما بهدمٍ أو تحريقٍ وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وُضع له وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحقّ بذلك وأوجب ... ومنها: أن الوقف لا يصحّ على غير برّ ولا قربة كما لم يصحّ وقف هذا المسجد وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بُني على قبر كما يُنبش الميت إذا دُفن في المسجد نصّ على ذلك الإمام أحمد وغيره؛ فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق فلو وضعا معاً لم يجز ولا يصحّ هذا الوقف، ولا يجوز ولا تصحّ الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجداً أو أوقد عليه سراجاً (٦) فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى (٧).


(١) ((إعلام الموقعين)) (١/ ٤٧ - ٤٨).
(٢) ((الآثار)) لمحمد بن الحسن الشيباني (ص٤٥).
(٣) وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: مارية - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: ((أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)). رواه البخاري (٤٢٧)، ومسلم (٥٢٨).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١٠/ ٣٨).
(٥) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٣٥٣).
(٦) ((زاد المعاد)) (٣/ ٢٢).
(٧) ((زاد المعاد)) (٣/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>