للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠ - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني (١) حيثما كنتم)) (٢).

١١ - ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبدالرحمن فقال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله (٣).

١٢ - عن أبي هريرة: أنه أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطاً (٤).

١٣ - وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر مثله عن أبي سعيد الخدري (٥).

١٤ - عن محمد بن كعب قال: هذه الفساطيط التي على القبور محدثة (٦).

١٥ - سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه: إذا ما مت، فلا تضربوا على قبري فسطاطاً (٧).

١٦ - عن سالم مولى عبدالله بن علي بن حسين قال: أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال: لا ترفعوا قبري على الأرض (٨).

١٧ - عن عمرو بن شرحبيل قال: لا ترفعوا جدثي - يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك (٩).

واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها، فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما يُنبئ عن تعظيم القبور تعظيماً يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال، مثل بناء المساجد والقباب على القبور، وضرب الخيام عليها، ورفعها أكثر من الحديث المشروع، والسفر والاختلاف إليها (١٠)، والتمسح بها، ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك، فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم، وذلك يدل على أنهم كانوا جميعاً يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع، ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله، بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة، فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر، كما لا يخفى، وهذا بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهراً، أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك، مثل: رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفاً، فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى، وذلك لوجهين:

الأول: أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً من رفع القبور وضرب الخيام عليها، لما ورد من اللعن على البناء، دون الرفع والضرب المذكور.

الثاني: أن المفروض في أولئك السلف الفهم والعلم، فإذا ثبت عن أحد منهم النهي عن شيء هو دون ما نهى عنه الشارع، ولم ينقل هذا النهي عن أحدهم، فنحن نقطع بأنه ينهى عنه أيضاً، حتى ولو فرض عدم بلوغ النهي إليه لأن نهيه عما هو دون هذا يستلزم النهي عنه من باب أولى، كما لا يخفى.

فثبت أن القول بانتفاء العلة المذكورة وما بني عليه كله باطل، لمخالفته نهج السلف الصالح رضي الله عنهم، مع مصادمته للأحاديث الصحيحة، والله المستعان. تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد لمحمد ناصر الدين الألباني - ٦٨


(١) قال الألباني: قوله: (تبلغني) هذا الحديث وغيره مما تقدم صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لا يسمع صلاة المصلين عليه، فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعها فقد كذب عليه، فكيف حال من يزعم أنه صلى الله عليه وسلم يسمع غيرها؟!
(٢) رواه أبو داود (٢٠٤٢). وسكت عنه. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٩٢) - كما أشار لذلك في مقدمته -، والنووي في ((الأذكار)) (١٥٤). وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ١٦٩): إسناده حسن، وله شواهد. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (٣/ ٣١٤): حسن. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٣) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (١٤٦١)، ورواه موصولاً ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٣٥/ ٤١ - ٤٢) من طريق ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))، وانظر: ((تغليق التعليق)) لابن حجر (٢/ ٤٩٢ - ٤٩٣).
(٤) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (٣/ ٤١٨)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٢٣)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٤/ ٣٣٨). قال الألباني في ((تحذير الساجد)): إسناده صحيح.
(٥) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٢٤)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٢٠/ ٣٩٦)، ورواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (٣/ ٤٣٠). قال الألباني في ((تحذير الساجد)): إسناده ضعيف، لكن له طرق أخرى عند ابن عساكر فهو بها صحيح.
(٦) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٢٤). وقال الألباني في ((تحذير الساجد)): رجاله ثقات غير ثعلبة وهو ابن الفرات، قال أبو حاتم وأبوزرعة: لا أعرفه، كما في ((الجرح والتعديل)) (١/ ٤٦٤ - ٤٦٥).
(٧) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٥/ ١٤٢).
(٨) رواه الدولابي في ((الكنى)) (٣/ ١٥٤) قال الألباني في ((تحذير الساجد)): ورجاله ثقات غير سالم هذا فهو مجهول. كما قال الذهبي في ((الميزان))، والحلي الشيعي في ((خلاصة الأقوال)) (ص ١٠٨).
(٩) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٦/ ١٠٨) قال الألباني في ((تحذير الساجد)): سنده صحيح.
(١٠) الاختلاف إليها أي: إكثار التردد لزيارتها، وهذا مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري عيداً)).

<<  <  ج: ص:  >  >>