للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني (١): نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور وعن اتخاذها عيداً، وعن اتخاذها مساجد، فقال لما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها: أنها رأت كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)) (٢) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ليال: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك)) (٣). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) (٤). كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور كما قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) (٥). وكذلك نهى عن الصلاة عند القبور سواء بني عليها مسجد أو لا لقوله: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) (٦). فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الأمور كلها الدالة على تعظيم القبر لئلا يفضي ذلك إلى عبادتهم وطلب قضاء الحوائج من الموتى، ويدل على أن هذا هو المراد ما أشار به إلى صنيع الأمم السابقة، وكذلك لأن هذا هو أصل ابتداء الشرك في الناس كما تقدم (٧). وقد قال ابن قدامة معللاً للنهي عن اتخاذ القبور مساجد ومصلى: (لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام: تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها) (٨) اهـ.


(١) انظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (١/ ٧٧، ٢٩٢، ٢٩٥، ٢/ ٦٧١ - ٦٧٢)، و ((مجلة البحوث الإسلامية)) – العدد: ٢٠، (ص: ٢٠٠). بحث للشيخ صالح الفوزان.
(٢) رواه البخاري (٤٣٤)، ومسلم (٥٢٨). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه مسلم (٥٣٢). من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه.
(٤) رواه أبو داود (٢٠٤٢)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٣/ ٤٩١) (٤١٦٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٩٢) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، والنووي في ((الأذكار)) (١٥٤).
(٥) رواه مسلم (٩٧٠).
(٦) رواه مسلم (٩٧٢). من حديث أبو مرثد الغنوي رضي الله عنه.
(٧) انظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٦٧٣ - ٢/ ٧٦٨).
(٨) ((المغني)) لابن قدامة (٢/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>