للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وصف لنا الصحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قولهم: (كان ربعة من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ليس بجعد قَطِطٍ، ولا سَبْطٍ رَجِلٍ) (١)، وقالوا فيه: (كان أحسن الناس. . ربعة، إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس له أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة) (٢).

وكان الرسول أشبه الناس بنبي الله إبراهيم كما أخبرنا عليه السلام بذلك (٣).

- الكمال في الأخلاق:

لقد بلغ الأنبياء في هذا مبلغاً عظيماً، وقد استحقوا أن يثني عليهم ربّ الكائنات فقد أثنى الله على خليله إبراهيم عليه السلام فقال: إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ [هود: ٧٥]. وقالت ابنة العبد الصالح تصف موسى: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: ٢٦].

وأثنى الله على إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً [مريم: ٥٤].

وأثنى الله – جلّ جلاله، وتقدست أسماؤه – على خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثناءً عطراً، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤].

فقد وصف الله – سبحانه – خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنّه عظيم، وأكّد ذلك بثلاثة مؤكدات: أكّد ذلك بالإقسام عليه بنون والقلم وما يسطرون، وتصديره بإنّ، وإدخال اللام على الخبر.

ومن خلقه الكريم صلى الله عليه وسلم الذي نوَّه الله به ما جبله عليه من الرحمة والرأفة لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨].

وقد كان لهذه الأخلاق أثر كبير في هداية الناس وتربيتهم، هذا صفوان بن أميّة يقول: (والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض خلق الله إليّ، فما زال يعطيني حتى إنّه من أحبِّ الناس إليّ) (٤).

وفي صحيح مسلم عن أنس ((أنّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم، أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاءً، ما يخاف الفقر)) (٥).

ولو لم يتصف الرسل بهذا الكمال الذي حباهم الله به لما انقاد الناس إليهم، ذلك أن الناس لا ينقادون عن رضاً وطواعية لمن كثرت نقائصه، وقلت فضائله.

- خير الناس نسباً:

الرسل ذوو أنساب كريمة، فجميع الرسل بعد نوح من ذريته، وجميع الرسل بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ .. [الحديد: ٢٦].

ولذلك فإنّ الله – سبحانه – يصطفي لرسالته من كان خيار قومه في النسب، وفي الحديث الذي يرويه البخاري، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً، حتى كنت من القرن الذي كنت منه)) (٦).


(١) رواه البخاري (٣٥٤٧)، ومسلم (٢٣٤٧). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) رواه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (١/ ٢٧٥)، والبزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (٨/ ٢٨٣). وقال: رجاله وثقوا، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٤٦٣٣).
(٣) رواه البخاري (٣٣٩٤)، ومسلم (١٦٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (٢٣١٣).
(٥) رواه مسلم (٢٣١٢).
(٦) رواه البخاري (٣٥٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>