للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بحديث الاستعاذة من فتنة المحيا والممات على حضور الشيطان عند المحتضر لإغوائه، وأنه قد يعرض الأديان على بعض العباد، حيث قال رحمه الله: (أما عرض الأديان على العبد وقت الموت فليس هو أمراً عاماً لكل أحد، ولا هو أيضاً منتفياً عن كل أحد، بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته، ومنهم من لا تعرض عليه، وقد وقع ذلك لأقوام، وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا، منها ما في الحديث الصحيح ((أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ في صلاتنا من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) (١)، ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم؛ لأنه وقت الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((الأعمال بخواتيمها)) (٢) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) (٣) ... ، ولهذا يقال: إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ملك زاداً أو راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً)) (٤) ... ) (٥).

وقال في موضع آخر: (وأما عرض الأديان وقت الموت فيبتلى به بعض الناس دون بعض ... ) (٦).

وذكر ابن حجر أن الأكثر والأغلب في سوء الخاتمة أنه لا يقع إلا لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصرّ على الكبائر والمجترئ على العظائم، إذ يهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه (٧) الشيطان عند تلك الصدمة، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته (٨).

ويدل على حضور الشيطان عند المحتضر قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون: ٩٧، ٩٨]، فالمعنى: أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمرٍ من أموري كائناً ما كان، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن، أو عند حضور الموت، أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات (٩).


(١) رواه البخاري (١٣٧٧)، ومسلم (٥٨٨).
(٢) رواه البخاري (٦٤٩٣). من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٧٤٥٤)، ومسلم (٢٦٤٣). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٤) رواه الترمذي (٨١٢)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٣/ ٤٣٠). من حديث علي رضي الله عنه. قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال وهلال بن عبد الله مجهول والحارث يضعف، وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (١١/ ٨١): روي موقوفاً وهو أصلح رواية، وقال السيوطي في ((النكت على الموضوعات)) (١٢٩): له شواهد، وقال ابن همات في ((التنكيت والإفادة)) (١١٦): بشواهده لا ينزل عن درجة الحسن، وحسنه لغيره الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٥/ ٨).
(٥) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٤/ ٢٥٥، ٢٥٦).
(٦) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١٤/ ٢٠٢).
(٧) الاصطلام: الاستئصال والهلاك والقطع. انظر: ((لسان العرب)) (٢/ ٤٦٩).
(٨) انظر: ((فتح الباري)) (١١/ ٤٨٩، ٤٩٠).
(٩) انظر: ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (٥/ ٨١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>