للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: (إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ومنها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله ... ، ومنها بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل ... ، وكل هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جل ثناؤه أن لهم البشرى في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فالجنة، وأما قوله: لا تبديل لكلمات الله؛ فإن معناه أن الله لا خلف لوعده، ولا تغيير لقوله عما قال، ولكنه يمضي لخلقه مواعيده، وينجزها لهم) (١).

وقال ابن تيمية: (وقد فَسّر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الدنيا بنوعين:

أحدهما: ثناء المثنين عليه.

الثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له، فقيل: ((يا رسول الله الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن)) (٢)، وقال البراء بن عازب: ((سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فقال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له)) (٣) (٤).

وأخبر الله سبحانه وتعالى عن حال المؤمنين عند الاحتضار أنهم طيبون، أي مخلصون من الشرك والدنس، وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم، وتبشرهم بالجنة، حيث قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: ٣٢].

قال الشنقيطي ت١٣٩٣هـ: (ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين الذين كانوا يمتثلون أوامر ربهم، ويجتنبون نواهيه، تتوفاهم الملائكة: أي يقبضون أرواحهم في حال كونهم طيبين: أي طاهرين من الشرك والمعاصي ـ على أصح التفسيرات ـ ويبشرونهم بالجنة، ويسلّمون عليهم ... ، والبشارة عند الموت وعند الجنة من باب واحد؛ لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة، ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، ويقولون لهم سلام عليكم ادخلوا الجنة: أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة، ولم تسلّم عليهم، ولم تبشرهم)) (٥).

وقال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: ٢٧]

ففي هذه الآية يخبر الله سبحانه وتعالى أنه يثبت المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات والشهوات، بالهداية إلى اليقين وتقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على التوحيد، وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح، ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة.


(١) ((تفسير الطبري)) (١١/ ٩٦).
(٢) رواه مسلم (٢٦٤٢). من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(٣) رواه الترمذي (٢٢٧٥)، وابن ماجه (٣١٦٠)، وأحمد (٥/ ٣١٥) (٢٢٧٤٠)، والحاكم (٢/ ٣٧٠). من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في ((الكافي الشاف)) (١٤٤): رجاله ثقات إلا أنه معلول فإن أبا سلمة لم يسمع من عبادة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٤) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١/ ٨)، و (١٤/ ٢٠٠).
(٥) ((أضواء البيان)) (٣/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>