للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر بعض هذه الأحاديث التي سقناها من قبل، وأورد حديث أبي هريرة الذي رواه ابن حبان وغيره، والذي يذكر فيه أن المؤمن يرى بعد السؤال مقعده من الجنة، ومقعده من النار لو كان كافراً، قال: ((ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد جسده كما بدئ، وتجعل نسمته في نسم طيب، وهي طير تعلق في شجر الجنة)) (١)، وفي لفظ: ((وهو طير يعلق في شجر الجنة)) (٢)، وفي لفظ: ((ثم يعاد جسده إلى ما بدئ منه)) (٣) فالروح – كما يدل عليه الحديث تعاد إلى الجسد بعد الرحلة إلى السماء، ثم تسأل، ثم تكون طيراً يعلق بشجر الجنة إلى أن يبعث العباد، ومع كونها في الجنة فإنه يبقى لها تعلق بالجسد، كحال الإنسان في النوم، فإنها تجول في ملكوت السماوات والأرض، مع أن لها تعلق بالجسد، وفقه هذا مبني على معرفة أن الروح مخالفة للأجساد وللمعهود من حال المخلوقات الدنيوية، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أن مستقر أرواح المؤمنين الجنة: (ومع ذلك تتصل بالبدن متى شاء الله تعالى، وهي في تلك بمنزلة نزول الملك، وظهور الشعاع في الأرض، وانتباه النائم) (٤). القيامة الصغرى لعمر بن سليمان الأشقر - ص ١٠٢ - ١٠٦

وقد اختلف في مستقر الأرواح ما بين الموت إلى قيام الساعة: فقيل: أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكافرين في النار، وقيل: إن أرواح المؤمنين بفناء الجنة على بابها، يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها. وقيل: على أفنية قبورهم. وقال مالك: بلغني أن الروح مرسلة، تذهب حيث شاءت. وقالت طائفة: بل أرواح المؤمنين عند الله عز وجل، ولم يزيدوا على ذلك. وقيل: إن أرواح المؤمنين بالجابية من دمشق، وأرواح الكافرين ببرهوت بئر بحضرموت! وقال كعب: أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكافرين في سجين في الأرض السابعة تحت خد إبليس! وقيل: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكافرين ببئر برهوت. وقيل: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله. قال ابن حزم وغيره: مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها. وقال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم. وعن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش، تغدو وتروح إلى رياض الجنة، تأتي ربها كل يوم تسلم عليه. وقالت فرقة: مستقرها العدم المحض. وهذا قول من يقول: إن النفس عرض من أعراض البدن، كحياته وإدراكه! وقولهم مخالف للكتاب والسنة. وقالت فرقة: مستقرها بعد الموت أبدان أخر تناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الروح! وهذا قول التناسخية منكري المعاد، وهو قول خارج عن أهل الإسلام كلهم.

...


(١) رواه الترمذي (١٠٧١)، وابن حبان (٧/ ٣٨٠) (٣١١٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: حسن غريب، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (١/ ١١٩) رجاله رجال مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ١١٥) كما قال ذلك في المقدمة.
(٢) رواه الترمذي (١٠٧١)، وابن حبان (٧/ ٣٨٠) (٣١١٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: حسن غريب، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (١/ ١١٩) رجاله رجال مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ١١٥) كما قال ذلك في المقدمة.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١٦/ ٥٩٦ - ٥٩٧).
(٤) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٢٤/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>