للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما ترى؟ قال: أرى عرشاً على الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ قال: أرى صادقين وكذاباً أو كاذبين وصادقاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبس عليه, دعوه)) (١).

وقال ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ((انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب، إلى النخل التي فيها ابن صياد، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً، قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، يعني في قطيفة، له فيها رمزة أوزمرة، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل.

فقالت لابن صياد: يا صاف، وهو اسم ابن صياد، هذا محمد صلى الله عليه وسلم، فثار ابن صياد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين)) (٢).

وقال أبو ذر رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثني إلى أمه، قال سلها كم حملت به، فأتيتها فسألتها فقالت حملت به اثني عشر شهراً. قال ثم أرسلني إليها: فقال سلها عن صيحته حين وقع، قال: فرجعت إليها فسألتها، فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهر. ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبأ. قال: خبأت لي خطم شاة عفراء والدخان قال: فأراد أن يقول: الدخان فلم يستطع فقال: الدخ)) (٣).

فامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له (بالدخان) ليتعرف على حقيقة أمره.

والمراد بالدخان هنا قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ [الدخان: ١٠].

فقد وقع في رواية ابن عمر عند الإمام أحمد ((أني قد خبأت لك خبيئاً، وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين)) (٤).

قال ابن كثير: (إن ابن صياد كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان وهم يقرطون – أي يقطعون – العبارة ولهذا قال: هو الدخ، يعني الدخان، فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته وأنها شيطانية، فقال له اخسأ فلن تعدو قدرك) (٥).

وفاته:

عن جابر رضي الله عنه قال: (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) (٦).

وقد صحح ابن حجر هذه الرواية، وضعف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة, وأنهم كشفوا عن وجهه وصلوا عليه (٧).

هل ابن صياد هو الدجال الأكبر؟

مضى في الكلام على أحوال ابن صياد وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمر ابن صياد، لأنه لم يوح إليه أنه الدجال ولا غيره.

وكان عمر رضي الله عنه يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال ولم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.


(١) رواه مسلم (٢٩٢٥).
(٢) رواه البخاري (١٣٥٤)، ومسلم (٢٩٣١).
(٣) رواه أحمد (٥/ ١٤٨) (٢١٣٥٧)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٨/ ٢٤٢) (٨٥٢٠). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٥): رواه أحمد والبزار والطبراني في ((الأوسط))، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة.
(٤) رواه أحمد (٢/ ١٤٨) (٦٣٦٠)، ورواه أبو داود (٤٣٢٩)، والترمذي (٢٢٤٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٥) ((تفسير ابن كثير)) (٧/ ٢٣٤).
(٦) رواه أبو داود (٤٣٣٢)، وابن أبي شيبة (٧/ ٤٩٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (١٨/ ٤٧)، ومحمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (٤/ ٥٣٤)، وابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٥/ ١٤٥).
(٧) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>