للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [الأعراف:١٨٧]، معناه: لا يكشف حجاب الخفاء عنها، ولا يظهرها فيوقتها المحدود عن الرب تعالى إلا هو، فلا وساطة بينه وبين عباده في إظهارها، ولا في الإعلام بميقاتها، وإنما وساطة الرسل، عليهم السلام، في الإنذار بها) (١).

ونقل الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله عن الآلوسي، رحمه الله وله: (وإنما أخفى سبحانه، أمر الساعة لاقتضاء الحكمة التشريعية ذلك، فإنه أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك, ولو قيل بأن الحكمة التكوينية تقتضي ذلك أيضاً لم يبعد، وتدل الآيات على أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم وقت قيامها، نعم علم صلى الله عليه وسلم قربها على الإجمال وأخبر صلى الله عليه وسلم به) (٢) (٣).

وقال صاحب المنار، رحمه الله، تعالى - أيضاً -:

(فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليوم، وأن يحملهم الخوف على مراقبة الله تعالى، في أعمالهم؛ فيلتزموا فيها الحق، ويتحروا الخير، ويتقوا الشرور والمعاصي, ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدال, والقيل والقال، وإننا نرى بعض المتأخرين قد شغلوا المسلمين عن ذلك ببحث افتجره بعض الغلاة, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق طول عمره لا يعلم متى تقوم الساعة، كما تدل عليه آيات القرآن الكثيرة، بل أعلمه الله تعالى به, بل زعم أنه أطلعه على كل ما في علمه، فصار علمه كعلم ربه (٤) , أي صار نداً وشريكاً لله تعالى، في صفة العلم المحيط بالغيوب التي لا نهاية لها، ومن أصول التوحيد أنه تعالى، لا شريك له في ذاته, ولا في صفة من صفاته، والرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله، لا يعلم من الغيب إلا ما أوحاه الله تعالى إليه، لأداء وظيفة التبليغ، ولكن الغلاة يرون من التقصير في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه أن تكون صفاته دون صفات ربه وإلهه، وخالق الخلق أجمعين، فكذبوا كلام الله تعالى, وشبهوا به بعض عبيده، إرضاء لغلوهم, ومثل هذا الغلو لم يعرف عن أحد من سلف هذه الأمة, ولو أراد الله تعالى أن يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بوقت قيام الساعة بعد كل ما أنزله عليه في إخفائها واستئثاره بعلمه لما أكده كل هذا التأكيد في هذه السورة وغيرها، كقوله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا [الأعراف:١٨٧] ا. هـ.

الحكمة في تقديم أشراط الساعة ودلالة الناس عليها:

ثبت في حديث جبريل المشهور أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأخبرني عن الساعة)) فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) , قال: ((فأخبرني عن أمارتها)) (٥) وفي رواية قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها ... )) الحديث (٦).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة والاستعداد) (٧).

ونقل القرطبي - رحمه الله - عن العلماء قولهم: (والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها، تنبيه الناس عن رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم, وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، والله أعلم، وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا وانقضائها) (٨) المهدي وفقه أشراط الساعة لمحمد أحمد المقدم - ص:٥٨٩ - ٥٩٧


(١) ((تفسير المنار)) (٩/ ٣٩٠).
(٢) حديث السؤال عن الساعة رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((تفسير المنار)) (٩/ ٣٩٣).
(٤) ((تفسير المنار)) (٢٨٢ - ٢٨٣).
(٥) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٤٧٧٧)، ومسلم (٩). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) ((فتح الباري)) (١١/ ٣٥٠).
(٨) ((التذكرة)) (ص: ٦٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>