للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادساً: قد تمر بالمسلمين وقائع في مقبل الأيام تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، ولو ترك المسلمون إلى اجتهادهم؛ فإنهم قد يختلفون، وربما يكون نقصاً تنزه الشريعة عنه. فمن ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم من أيامه كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا، وقد سأل الصحابة - رضي الله عنهم- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلك الأيام الطويلة: أتكفي في الواحد منها صلاة يوم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا، اقدروا له قدره)) (١) , ولو وكل العباد إلى اجتهادهم، لاقتصروا على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غير هذه الأيام.

وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى- عليه السلام - بعد نزوله لا يقبل الجزية من اليهود والنصارى، ولا يقبل منهم إلا الإيمان (٢)، وهذا البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم ضروري؛ لأن عيسى يحكم بهذا الشرع، وهذا الشرع فيه قبول الجزية ممن بذلها إلى حين نزول عيسى ابن مريم، وحين ذاك توضع الجزية، ويقتل كل من رفض الإيمان، ولو بذل الجزية (٣).

كما أن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات معينة لأشخاص معينين؛ كالمهدي - مثلاً - يمدنا بالمعيار اللازم للحكم على الدجالين المدعين المهدية، حتى لا نتورط في فتنهم.

لا يعلم متى الساعة إلا الله وحده:

قال- تعالى -: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف: ١٨٧]

فقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي، وقوله عز وجل: إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات: ٤٤] (فيه إيذان بأن ما هو من شأن الرب لا يكون للعبد، فهو تعالى قد رباه ليكون منذراً ومبشراً، لا للإخبار عن الغيوب بأعيانها وأوقاتها، والإنذار إنما يناط بالإعلام بالساعة وأهوالها، وسلاسلها وأغلالها، ولا تتم الفائدة منه إلا بإبهام وقتها؛ ليخشى أهل كل زمن إتيانها فيه، والإعلام بوقت إتيانها، وتحديد تاريخها، ينافي هذه الفائدة، بل فيه مفاسد أخرى، فلو قال الرسول صلى الله عليه وسلم للناس: إن الساعة تأتي بعد ألفي سنة من يومنا هذا - مثلاً -، وألفا سنة في تاريخ العالم، وآلاف السنين تعد أجلاً قريباً، لرأى المكذبين يستهزئون بهذا الخبر، ويلحون في تكذيبه، والمرتابين يزدادون ارتياباً، حتى إذا ما قرب الأجل وقع المؤمنون في رعب عظيم ينغص عليهم حياتهم، ويوقع الشلل في أعضائهم، والتشنج في أعصابهم، حتى لا يستطيعون عملاً، ولا يسيغون طعاماً ولا شراباً، ومنهم من يخرج من ماله وما يملكه، في حين يكون الكافرون آمنين، يسخرون من المؤمنين ...

فالحكمة البالغة - إذاً - في إبهام أمر الساعة للعالم، وكذا الساعة الخاصة بأفراد الناس، أو بالأمم والأجيال، أو جعلها من الغيب الذي استأثر الله - تعالى - به) (٤).


(١) رواه مسلم (٢٩٣٧). من حديث النواس بن سمعانا لكلابي رضي الله عنه.
(٢) حديث نزول عيسى رواه البخاري (٣٤٤٨)، ومسلم (١٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) انظر: ((القيامة الصغرى)) د. عمر الأشقر (ص: ١٣٢).
(٤) ((تفسير المنار)) (٩/ ٣٨٩ – ٣٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>