للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمزعة هي: (بضم الميم – وحكى كسرها – وسكون الزاي بعدها مهملة: أي قطعة"، " وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي).

قال ابن حجر: (والذي أحفظه عن المحدثين الضم).

ومعنى الحديث: (قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطاً لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه، لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء، لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله؛ فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به).

والمعنى الأول الذي ذكره الخطابي تأويل للحديث بغير معناه، ولهذا قال ابن حجر: (والأول صرف للحديث عن ظاهره).

وإن كان قد ورد ما يؤيده، وهو ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعاً: ((لا يزال العبد يسأل وهو غني؛ حتى يخلق وجهه، فلا يكون له عند الله وجه)) (١).

(وقال ابن أبي جمرة: معناه: أنه ليس في وجهه من الحسن شيء، لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم، ومالَ المهلَّبُ إلى حمله على ظاهره).

ثم ذكر أن السر في ذلك هو (أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه؛ كانت أذية الشمس له أكثر من غيره) قال – يعني المهلَّب: (والمراد به: من سأل تكثراً وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه) (٢).

٥ - حشر أصحاب الغلول (٣):

ومن المشاهد كذلك: مشهد أقوام يأتون حاملين أثقالاً على ظهورهم، كالبعير والشاة وغيرهما، وهؤلاء هم أهل الغلول، فإنهم يحشرون في هيئة تشهد عليهم بالخيانة والغلول أمام الخلق أجمعين، فمن غل شيئاً في حياته الدنيا ولم يظهره؛ فسيظهره الله عليه يوم يبعث، يكون علامة له، وزيادة في النكاية وتشهيراً بجريمته يحمل ما غل على ظهره.

ومصداق هذا ما جاء في كتاب الله عز وجل حيث قال: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [آل عمران: ١٦١].

قال قتادة في معنى الآية: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم مغنماً؛ بعث منادياً: ألا لا يغلن رجل مخيطاً فما دونه، ألا لا يغلن رجل بعيراً، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء، ألا لا يغلن رجل فرساً، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمة) (٤).

وما جاء في السنة النبوية كما في حديث أبي مسعود الأنصاري قال: ((بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعياً، ثم قال: انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء، قد أغللته قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذا لا أكرهك)) (٥) ...........

والخلاصة: أن من مات على عمل بعث عليه.

قال البرديسي في شرح حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)) (٦).


(١) رواه الطبراني (٢٠/ ٣٣٣) (١٧٥٤٦)، والبزار كما في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٩٩)، والمنذري (٢/ ٣١). وقال: في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام، وضعف إسناده ابن حجر في ((مختصر البزار)) (١/ ٣٨٣).
(٢) ((فتح الباري)) (٣/ ٣٣٩).
(٣) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٤٢٠).
(٤) روه الطبري في تفسيره (٧/ ٣٦٤).
(٥) رواه أبو داود (٢٩٤٧)، والطبراني (١٧/ ٢٤٧) (١٤٣٧٧)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٢/ ٢٥). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٣٦١)، وحسنه الألباني في ((صحيح أبي داود)).
(٦) رواه مسلم (٢٨٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>