للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (أي على الحالة التي مات عليها من خير أو شر، فالزامر يأتي يوم القيامة بمزماره، والسكران بقدحه، والمؤذن يؤذن، ونحو ذلك) (١).

٦ - حشر أهل الوضوء، أهل الغرة والتحجيل:

وإذا كان من قدمنا ذكرهم كانوا أمثلة سيئة لمن يعمل أعمالهم، فإنه في الجانب الآخر نجد من يتسم بالصفات الحميدة، ولهذا فإنه يبعث حميداً عليه سيما أهل الصلاح والتقوى، سيما أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من الغرة والتحجيل بسبب آثار الوضوء.

وهي كرامة من الله تعالى لأوليائه وأحبائه، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) (٢).

وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أمتي يوم القيامة غر من السجود, محجلون من الوضوء)) (٣).

٧ - حشر الشهداء:

ومن المشاهد الأخرى: مشهد لأقوام يحشرون ودماؤهم تسيل عليهم، وهم الشهداء، فإنهم يحشرون ودماؤهم تسيل كهيئتها يوم جرحت في الدنيا، تفجر دماً، كما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله ثم تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت تفجر دماً. اللون لون دم والعرف عرف المسك)) إلى آخر الحديث (٤).

وهذا إكرام لهم وبيان لمزاياهم، وتشهيراً بمواقفهم وعلو مقامهم عند الله تعالى، لأن الجزاء من جنس العمل.

قال النووي: (وأما الكلم – بفتح الكاف وإسكان اللام – فهو الجرح، ويكلم – بإسكان الكاف – أي يجرح) قال: (وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى) (٥).

ويلخص البرديسي أحوال البشر في مجيئهم إلى الموقف فيقول: (واعلم أن الناس يحشرون يومئذ على ثلاثة أصناف: ركباناً، ومشاة، وعلى وجوههم. قال تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: ٨٥ - ٨٦].

ثم قال: الوفد في اللغة: القوم المكرمون، يفدون من بلادهم في جماعتهم إلى ملكهم، فينزلون ويكرمهم، والورد: العطاش، يساقون كما تساق الإبل وغيرها من الأنعام، فتسوقهم الملائكة بأسياط النار إلى النار، وقوم يمشون على وجوههم.

وقال بعضهم: إذا قام الناس من قبورهم لفصل القضاء؛ حضروا على أحوال مختلفة: فمنهم من يكسى، ومنهم من يحشر عرياناً، ومنهم راكباً، ومنهم ماش، ومسحوب على وجهه، ومنهم من يذهب إلى الموقف راغباً، ومنهم من يذهب خائفاً، ومنهم من تسوقه النار سوقاً) (٦).

وقوله: (ومنهم راكبا)، هذه المسألة مما أكثر فيه المؤلف الكلام عنها، وإن كان القول بأن الناس يأتون ركباناً يخالف ما ثبت في الصحيح من أنهم يأتون ((حفاة عراة غرلاً))، إلا أن المؤلف جمع بين أقوال من ذهب إلى أنهم يأتون ركباناً، وبين هذا النص وما جاء في معناه بقوله:

(ثم إن الروايات التي فيها الركوب في المحشر تخالف حديث الصحيحين أن الناس يحشرون حفاة عراة، ولا يبعد أن يكون الركوب في المحشر لبعض السعداء، فيكون حديث الصحيحين محمولاً على بعض الصور) (٧). الحياة الآخرة لغالب عواجي - بتصرف- ١/ ٢٠٧


(١) ((تكملة شرح الصدور)) (ص: ١٢).
(٢) رواه البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦).
(٣) رواه الترمذي (٦٠٧)، وأحمد (٤/ ١٨٩) (١٧٧٢٩)، والبيهقي في شعب الإيمان (٣/ ١٧)، والضياء (٩/ ١٠٦) (٩٤). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث ابن بسر، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح، وصحح إسناده على شرط الشيخين شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند.
(٤) رواه مسلم (١٨٧٦).
(٥) ((شرح صحيح مسلم)) (٤/ ٥٤١).
(٦) ((تكملة شرح الصدور)) (ص: ١٨).
(٧) ((تكملة شرح الصدور)) (ص: ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>