للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسم ينكره ظاهراً فقط كما تقدم في شأن فرعون.

قسم آخر هو في الحقيقة معترف في قرارة نفسه بوجود مدبر وصانع، ويحيل ذلك إلى الطبيعة أو غيرها!. مما يدل على وجود علوم أولية فطرية، وإنما حصل ما حصل بسبب المؤثر الخارجي.

الاعتراض الثاني (١):

لو كانت معرفته فطرية ضرورية فكيف ينكر ذلك كثير من النظار ويدعون أنهم يقيمون الأدلة على وجوده؟

والجواب:

أولاً: إن من أنكر هذه المعرفة الفطرية الضرورية هم أهل الكلام المذموم الذين ذمهم السلف، ولم يؤثر هذا الإنكار عن علماء المسلمين، بل إنهم نصوا على خلاف هذا كما صح عن الإمام الزهري (٢)، فهؤلاء المتكلمون تأثروا بمؤثر خارجي.

ثانياً: إن الإنسان قد يقوم بنفسه من العلوم والإرادات وغيرها من الصفات ما لا يعلم أنه قائم بنفسه. فهاهنا أمور وهي: علم الإنسان بعلم ما، وعلمه بأنه يعلم هذا العلم، وطلبه الدليل على هذا العلم، وكل إنسان يشعر من نفسه الفرق بين هذه الأمور، فالعلم بشيء قد يكون قائماً بإنسان وإن كان غائباً عنه علمه بأنه يعلم ذلك الشيء، ولكن إذا ذكر له تذكر، وأحس من نفسه بالمعرفة. وقد تقدم أنه لولا وجود علوم ضرورية فطرية لما صح نظر ولا استدلال ولا تم وقام.

الاعتراض الثالث (٣):

قالوا: إن المعرفة لا تحصل مبتدأة في النفس، بل لابد لها من طريق.

الجواب:

أولاً: إن هذا من موارد النزاع وهو هل المعرفة نظرية أو فطرية، وعليه فلا يصلح إيرادها قضية مسلماً بها، وقد دللنا سابقاً على صحة القول بأنها فطرية.

ثانياً: أن يقابل هذا القول بالمعارضة فيقال: إنها قد تحصل في النفس مبتدأة ولا يمكنهم حينئذ أن يقيموا دليلاً على نفي ذلك، وإن أقاموه فباستقراء يكون إما فاسداً وإما ناقصاً.

ثالثاً: إن أهل الكلام أثبتوا علوماً ضرورية، منها علم الإنسان بوجود نفسه، فإذا كان هذا ضروريًّا، فالعلم بربوبية الخالق أولى أن يكون ضروريًّا في حق من سلمت فطرته، وإن زعم المتكلم أن ذلك يحتاج إلى طريق. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– ١/ ٢٣٢


(١) انظر: ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) (١٦/ ٣٤٠).
(٢) انظر: ((فتح الباري)) (٣/ ٢٤٨)، والحديث رواه البخاري (١٣٥٨) وقال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب قال ابن شهاب: (يصلى على كل مولود متوفى وإن كان لغيّة من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام يدعي أبواه الإسلام أو أبوه خاصة وإن كانت أمه على غير الإسلام إذا استهل صارخاً يصلي عليه ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط ... ).
(٣) انظر: هذا الاعتراض والجواب عنه في ((درء تعارض العقل والنقل)) (٨/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>