للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وإن من فضل الله ورحمته أن فطر كل إنسان على توحيده وابتغاء وجهه بحيث يكون ذلك أصلاً يولد عليه كل مولود وهذا هو معنى حديث الفطرة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (١) فالفطرة هي الإسلام الذي أصله توحيد الله بالإرادة والمحبة، وأما الأديان المحرفة فهي مخالفة للفطرة، وانحراف عن الأصل الذي هو الإسلام ولهذا فإن القلب لا يمكن أن يطمئن ويستقر إلا إلى ما فطره الله عليه من إرادته ومحبته وحده وكل إرادة ومحبة لغير الله فهي عذاب وصرف للفطرة عن أصلها، مهما يكن المراد المحبوب وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)) (٢) مع أنه دعاء بالتعاسة والانتكاس لمن كان عبداً للدينار فإنه أيضاً تقرير لواقع حاصل، وهو أن كل من كان معبوده المال فلابد أن يكون حاله من تعاسة إلى تعاسة، ومن انتكاس إلى انتكاس، لمخالفته لحقيقة فطرته بحب الله وإرادة وجهه وحده ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني - ص١٦٣

قال ابن كثير رحمه الله تعالى، في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ الأعراف: ١٧٢

وذهب طائفة من السلف والخلف أن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد, كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية - على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)) (٣) أخرجاه وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم)) (٤) وعن الأسود بن سريع من بني سعد قال ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ثم قال: ما بال قوم يتناولون الذرية فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها)) (٥)


(١) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٢٨٨٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (١٣٨٥)، ورواية ((على هذه الملة)) رواها مسلم (٢٦٥٨).
(٤) رواه مسلم (٢٨٦٥).
(٥) رواه أحمد (٤/ ٢٤) (١٦٣٤٦) واللفظ له، والدارمي (٢/ ٢٩٤)، والحاكم (٢/ ١٣٤). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٨/ ٢٨٩): مشهور ثابت. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٣١٦): رواه أحمد بأسانيد والطبراني في الكبير والأوسط .. وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٤٠٢): وهو كما قالا - أي: الحاكم والذهبي -.

<<  <  ج: ص:  >  >>