للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فأنا أحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ثم تلا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:٦٥]) (١). وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق: ((إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين، لا ينطقون، ولا يعتذرون، ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم، ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركهِ بالله تعالى: فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى: عليهم حين يجحدون شهداءَ من أنفسهم جلودَهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:٢١] فتقر الألسنة بعد الجحود)) (٢)، وروي أيضاً عن رافع أبي الحسن قال: وصف رجلاً قال فيشير اللهُ تعالى: إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيعَ أن ينطِقَ بكلمةٍ، ثم يقول لآرابِهِ تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه: صنعنا عملنا فعلنا (٣) وله أيضاً عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. قال: لما رَجَعْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرةُ البحر قال: ((ألا تحدِّثون بأعاجيب ما رأيتم بأرضِ الحبشة فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحنُ جلوس إذ مرت علينا عجوزٌ من عجائز رهابينهم تحمل على رأسِها قُلَّة من ماءٍ، فمرَّت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرَّت على ركبتيها فانكسرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسيَّ وجمع الأولين والآخرين وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً. قال يقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: صَدَقَتْ صدقت كيف يقدِّسُ اللهُ تعالى: قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم)) (٤)، ورواه ابن أبي الدنيا (٥). وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ [فصلت:٢٢] الآية: كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش في بيتٍ، فقال بعضهم لبعضٍ: أترون أنَّ الله يسمع حديثنا؟ قال بعضُهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لئن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله. فأنزلت وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ [فصلت:٢٢])) (٦) الحديث. (وابتليت) أي اختبرت (هنالك) الإشارة إلى موقف القيامة العظيم، وهَوْله الجسيم (السرائر) جمع سريرة وهي ضد العلانية (وانكشف المخفي) المستور (في الضمائر) إشارة إلى قول الله عز وجل يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:٩] قال البغوي رحمه الله تعالى: وذلك يوم القيامة تبلى السرائر تظهر الخفايا. قال قتادة ومقاتل: تختبر. قال عطاء بن أبي رباح: السرائرُ فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والوضوء والاغتسال من الجنابة فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، فلو شاءَ العبد لقال: صمت ولم يصم، وصليت ولم يصل، واغتسلت ولم يغتسل، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (يُبدي الله عزَّ وجل يوم القيامة كُلَّ سر، فيكون زيناً في وجوه وشيناً في وجوه، يعني من أدَّاها كان وجهه مشرقاً ومن ضيعها كان وجهه أغبر) (٧) وفي (الصحيح) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُرْفع لكلِّ غادر لواء عند استه يقال: هذه غدرة فلان ابن فلان)) (٨) عياذاً بالله من ذلك. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص ٩٩٨


(١) رواه الطبري في ((تفسيره)) (٢٠/ ٥٤٤). ورواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (١٠/ ٣١٩٩).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (١٠/ ٣٢٧٢).
(٣) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (١/ ١٢٥).
(٤) رواه ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٢٧٢). والحديث رواه ابن ماجه (٤٠١٠). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٤/ ١٨٣): هذا إسناد حسن سويد مختلف فيه. وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٤٢): جميع رجاله احتج بهم مسلم في (صحيحه). وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (٤١٧): له شاهد. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن.
(٥) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ((الأهوال)) (٢٣٥).
(٦) رواه البخاري (٤٨١٦). والحديث رواه مسلم (٢٧٧٥).
(٧) انظر: ((تفسير البغوي)) (٨/ ٣٩٤ - ٣٩٥).
(٨) غير موجود في (الصحيح) بتمام هذا اللفظ، وانظر البخاري (٦١٧٧) ومسلم (١٧٣٥). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>