للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقبل شفاعته، كما يلهم الداعي الدعاء، ثم يجيب دعاءه فالأمر كله له. فإذا كان العبد يرجو شفيعا من المخلوقين، فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة، ولا يقبل شفاعته. وأفضل الخلق: محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إبراهيم عليهما السلام. وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغفر لعمه أبي طالب، بعد أن قال: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) (١). وقد صلى على المنافقين ودعا لهم فقيل له: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ [التوبة:٨٤] وقيل له أولا: إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [التوبة:٨٠] فقال: ((لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر لهم لزدت)) (٢) فأنزل الله: سَوَاءُ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:٦]. وإبراهيم: قال الله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود:٧٤ - ٧٦]. ولما استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه، بعد وعده بقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:٤١] قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [الممتحنة:٤] وقال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:١١٣ - ١١٤]. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية٢/ ٨٣٠

قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في شرح منظومته:

يَشْفَعُ أَوَّلاً إِلَى الرَّحْمَنِ فِي ... فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ

مِنْ بَعْدِ أَنْ يَطْلُبَهَا النَّاسُ إلَى ... كُلِّ أُولِي الْعَزْمِ الْهُدَاةِ الْفُضَلاَ

هذه الشفاعة الأولى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم الشفاعات، وهي المقام المحمود الذي ذكر الله عز وجل له ووعده إياه وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله إياه له صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان. وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب قوله تعالى عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩] حدثنا إسماعيل بن أبَّان حدَّثنا أبو الأحوص عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول ((إنَّ الناس يصيرون يوم القيامة جثاً كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعةُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذلك يومٌ يبعثه الله المقام المحمود)) (٣).


(١) رواه البخاري (١٣٦٠)، ومسلم (٢٤).
(٢) رواه البخاري (١٣٦٦).
(٣) رواه البخاري (٤٧١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>