للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك الأحاديث كلها لم يثبت منها شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسند صحيح، وآفتها في رواتها؛ فهم ما بين ضعيف, أو كذاب, أو مجهول, أو وضاع، لا يعتمد على روايتهم، ولا يركن إليها، ولم يروها كذلك إلا من لم يشترط الصحة في نقل الحديث.

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في رده على القائلين لمشروعية زيارة القبر الشريف:

(فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء فيها في الدين؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف؛ كالدارقطني والبزار وغيرهما) (١).

أما الحديث الأول: فإن إسناده فيه جهالة، وفيه اضطراب، وقد أخرجه البيهقي في سننه, وحكم عليه بجهالة إسناده (٢).

ويقول ابن عبد الهادي: (هذا الحديث ليس بصحيح؛ لانقطاعه, وجهالة إسناده, واضطرابه) (٣).

أما الحديث الثاني: ((من زارني بالمدينة محتسباً))، فقد أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان)، وأورده السيوطي في (الجامع الصغير) (٤) ورمز لحسنه، لكن المناوي رد عليه هذا التحسين، وقال بأنه (ليس بحسن، ففيه ضعفاء، منهم أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي. قال الذهبي: ترك. وقال أبو حاتم: منكر الحديث) (٥).

ويقول ابن عبد الهادي في الحكم على هذا الحديث: (هذا الحديث ليس بصحيح ولا ثابت، بل هو حديث ضعيف الإسناد منقطع، ولو كان ثابتاً لم يكن فيه دليل على محل النزاع، ومداره على أبي المثنى سليمان بن يزيد الكعبي الخزاعي المديني، وهو شيخ غير محتج بحديثه، وهو بكنيته أشهر منه باسمه، ولم يدرك أنس بن مالك؛ فروايته عنه منقطعة غير متصلة، وإنما يروي عن التابعين وأتباعهم، وقد ذكره ابن حبان في كتاب (الثقات في أتباع التابعين)، وذكره أيضاً في كتاب (المجروحين) (٦).

ثم ذكر ما قاله ابن حبان فيه في كتاب (الثقات)، وما قاله فيه كتاب (المجروحين) من تضعيف.

ويقول فيه ابن حجر: (أبو المثنى الخزاعي اسمه سليمان بن يزيد: ضعيف) (٧).

وأما الحديث الثالث وهو: ((من زارني حتى ينتهي إلى قبري)) إلخ؛ فقد ذكره السبكي في كتاب (شفاء السقام)، وقال: (ذكره الحافظ أبو جعفر العقيلي في كتاب (الضعفاء) في ترجمة فضالة بن سعيد بن زميل المازني .. إلى أن يقول: وذكره الحافظ ابن عساكر من جهته أيضاً .. وفضالة بن سعيد قال العقيلي في ترجمته: حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به. . هكذا رأيته في كتاب العقيلي.

وذكر الحافظ ابن عساكر عنه أنه قال: لا يتابع على حديثه من جهة تثبت, ولا يعرف إلا به) (٨).

(وقد بين العلامة ابن عبد الهادي أن هذا الحديث (حديث منكر جداً، ليس بصحيح ولا ثابت؛ بل هو حديث موضوع على ابن جريج).

ويذكر كذلك أنه وقع تصحيف في متنه وفي إسناده أيضاً أما التصحيف في متنه؛ فقوله: ((من زارني)) من الزيارة، وإنما هو ((من رآني في المنام كان كمن زارني في حياتي)).

هكذا روايته في كتاب العقيلي. وفي نسخة ابن عساكر: ((من رآني)) من الرؤية، وعلى هذا يكون معناه معنى الحديث الصحيح: ((من رآني في المنام فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل بي)) (٩).


(١) ((القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة)) (ص: ٧٢).
(٢) ((السنن الكبرى)) (٥/ ٢٤٥).
(٣) ((الصارم المنكي في الرد على السبكي)) (ص: ٨٦).
(٤) ((الجامع الصغير)) (٢/ ١٧٢).
(٥) ((فيض القدير)) (٦/ ١٤٠).
(٦) ((الصارم المنكي في الرد على السبكي)) (ص: ١٦٢).
(٧) ((تقريب التهذيب)) (٢/ ٤٦٩).
(٨) ((شفاء السقام)) (ص: ٣٨).
(٩) رواه البخاري (١١٠)، ومسلم (٢٢٦٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>