للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنه قال في الإجابة عن هذا: (أجاب الذاهبون إلى هذه الوجه بأن قالوا: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى بين من صفات أصحاب الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر؛ والسبب فيه أنه تعالى ميزهم عن أهل الجنة وأهل النار، وأجلسهم على تلك الشرفات العالية والأمكنة المرتفعة، ليشاهدوا أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، فيلحقهم السرور العظيم بمشاهدة تلك الأحوال، ثم استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، فحينئذ ينقلهم الله تعالى إلى أمكنتهم العالية في الجنة، فثبت أن كونهم غير داخلين في الجنة، لا يمنع من كمال شرفهم وعلو درجتهم.

وأما الطمع المذكور في الآية، فهو على ما ذكر هؤلاء، يكون معناه: اليقين، لا الطمع الذي لا يثق صاحبه بحصول المراد، وعلى هذا قوله تعالى عن إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: ٨٢] فهذا الطمع طمع يقين (١).

٩ - هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا فوقفوا، وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم، فيقع في مقابلة صغائرهم. حكاه ابن عطية القاضي أبو محمد في تفسيره (٢).

١٠ - ذكره ابن وهب عن ابن عباس، قال: أصحاب الأعراف الذين ذكر الله في القرآن، أصحاب الذنوب العظام من أهل القبلة، وذكره ابن المبارك؛ قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان جسيم أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم بسواد الوجوه، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض وجوههم.

وفي رواية سعيد بن جبير عن عبد الله بن مسعود: (وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً الجنة) (٣).

١١ - أنهم أولاد الزنا، ذكره أبو نصر القشيري عن ابن عباس (٤).

١٢ - أنهم ملائكة موكلون بهذا السور، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار. قاله أبو مجلز لاحق بن حميد، فقيل له: لا يقال للملائكة رجال، فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم كما وضع على الجن في قوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ [الجنّ: ٦] (٥).

وذكر الطبري روايات عن أبي مجلز في تقوية هذا القول الذي يتزعمه، ويجادل في أن أهل الأعراف هم رجال من الملائكة.

وهناك روايات كثيرة عن أبي مجلز لا حاجة إلى التطويل بذكرها، فهي لا تخلو – سواء أصحت نسبتها إليه أم لم تصح – عن كونها قولاً من الأقوال يحتاج لصحة إثباته إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

على أن ابن كثير قد ذكر بعد إيراد الرواية عنه صحة نسبة هذا القول إلى أبي مجلز، ولكن حكم عليها بالغرابة، وعدم الانسياق مع الظاهر من وصف الملائكة، فقال: (وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد – أحد التابعين – وهو غريب من قوله، وخلاف الظهر من السياق) (٦).

وقال محمد رشيد رضا في سبب حكم ابن كثير على قول أبي مجلز بالغرابة: (وإنما عده غريباً عنه لمخالفته لقول الجمهور، ولتسميته الملائكة رجالاً وهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة) (٧).

١٣ - أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم (فجعلوا هناك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم) (٨).


(١) انظر: ((التفسير الكبير)) (١٤/ ٨٨).
(٢) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٧).
(٣) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٧).
(٤) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٧).
(٥) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩٣).
(٦) ((تفسير القرآن العظيم)) (٢/ ٢١٧).
(٧) ((تفسير المنار)) (٨/ ٤٣٢).
(٨) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩٠)، ((فتح القدير)) (٢/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>