للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح (١).

تنبيه: قال في (التذكرة) (٢): (الصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما: في الموقف قبل الصراط والثاني في الجنة وكلاهما يسمى كوثراً والكوثر في كلام العرب الخير الكثير).

قال الجلال السيوطي (٣): (وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط, ورجحه القاضي عياض) قال السيوطي: (فإن قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتج إلى الشرب منه. قلت: كلا بل هم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص. ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب حتى يهذبوا منها على الصراط ولعل هذا أقوى.) انتهى.

قال العلامة في (البهجة): (هذا كلام في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق). انتهى.

قال القرطبي في (التذكرة) (٤): (ولا يخطر ببالك أو يذهب وهمك إلى أن هذا الحوض يكون على وجه هذه الأرض, وإنما يكون وجوده على الأرض المبدلة على مسافات هذه الأقطار، وفي المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض، وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط كما تقدم).

لطيفة: أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود رضي الله عنه: (يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط, فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقا لله أسقاه الله، ومن عمل لله أغناه الله، ومن عفا لله أعفاه الله) (٥).

وأخرج ابن خزيمة، والبيهقي عن سلمان مرفوعاً: ((من يسقي صائماً لله سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة)) (٦).

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً: ((من أتاه أخوه منتصلاً-أي: معتذراً- فليقبل ذلك منه محقاً كان ذلك أو مبطلاً, فإن لم يفعل لم يرد الحوض)).

وأخرج الطبراني عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عذره لم يرد على الحوض)) (٧).

تنبيه: قال القرطبي: (ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف). قال: (وليس كذلك وإنما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطباً لكل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها فيقول لأهل الشام: ما بين أدرج وحرباء، ولأهل اليمن: من صنعاء إلى عدن. وتارة يقدر بالزمان فيقول: مسيرة شهر والمقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا وكان ذلك التحديد بحسب من (حضره) ممن يعرف تلك الجهات فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها) انتهى. وسيأتي للكلام على الحوض تتمة في صفات الجنة إن شاء الله تعالى.

تتمة: اعلم أن لكل نبي حوضاً كما ورد ذلك في الأخبار، والأحاديث، والآثار، فقد أخرج الترمذي عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل نبي حوضاً، وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارداً)) (٨) قال الترمذي: حديث حسن غريب ...... وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (وإن أولياء الله ليردون إلى حياض الأنبياء) (٩) (١٠). البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني - بتصرف– ٢/ ٨٨٧


(١) رواه الترمذي (٣٣٦١)، وابن ماجه (٤٣٣٤)، والحاكم (٣/ ٦٢٥). وقال الترمذي: قال هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) ((التذكرة)) (١/ ٣٦٨).
(٣) ((البدور السافرة)) (ص: ٢٤٠).
(٤) ((التذكرة)) (١/ ٣٧١).
(٥) رواه ابن أبي الدنيا في ((قضاء الحوائج)) (٣٠).
(٦) رواه ابن خزيمة (٣/ ١٩١) (١٨٨٧)، والبيهقي (٣/ ٣٠٥) (٣٦٠٨). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (٣/ ٤٠٠): [فيه] على بن زيد بن جدعان تكلم فيه جماعة من العلماء.
(٧) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٦/ ٢٤١) (٦٢٩٥). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٨٤): فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب، وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٣٧١٤): موضوع.
(٨) رواه الترمذي (٢٤٤٣). وقال: هذا حديث غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح. قال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٩) أورده ابن كثير في تفسيره (٣/ ٢٣٨) وعزاه لابن مردويه، وقال: هذا حديث غريب، وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٤/ ١١٩) بعد أن عزاه لابن أبي الدنيا: [فيه] الزبير بن شبيب ومحصن بن عقبة لم أجد من ترجمهما.
(١٠) ((الحلية)) (٧/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>