للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ((خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء, ملاطها المسك, وحصباؤها اللؤلؤ, وحشيشها الزعفران. ثم قال لها: انطقي. قالت: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩])) (١) فهذه الجنة من الجنان كآدم في نوع الحيوان بجامع أن كلاً منها خلقه الله بيده جل شأنه وتعالى سلطانه.

قال في (حادي الأرواح): (تأمل هذه العناية كيف خص الجنة التي غرسها بيديه لمن خلقه، ولأفضل ذريته اعتناء, وتشريفاً, وإظهاراً لفضل ما خلقه بيده على غيره. فهذا كله يدل على أن جنة عدن اسم لموضع من الجنان مخصوص، ويطلق على جملة الجنات، إما حقيقة لوجود الحقيقة وهي الإقامة والدوام والاستمرار، وإما مجازاً من باب إطلاق البعض على الكل. هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم) (٢).

السابع من أسماء الجنة: دار الحيوان قال تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت: ٦٤] والمراد الجنة.

قال أهل التفسير: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ يعني: الجنة لَهِيَ الْحَيَوَانُ هي: دار الحياة التي لا موت فيها).

قال أهل اللغة: (الحيوان بمعنى: الحياة).

قال أبو عبيدة وابن قتيبة: (الحياة: الحيوان)، ...

قال أبو علي: (يعني: إنها مصادر، فالحياة فعلة كالجبلة، والحيوان كالنزوان والغليان، والحي كالعي).

وقال أبو زيد: (الحيوان ما فيه روح، والموتان والموات ما لا روح فيه, والصواب: أن الحيوان يقع على ضربين: أحدهما: مصدر كما حكاه أبو عبيدة، والثاني: وصف كما حكاه أبو زيد).

فعلى قول أبي زيد يكون المعنى أنها الدار التي لا تفنى, ولا تنقطع, ولا تبيد كما تفنى الأحياء في هذه الدار, فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت والأول أظهر والله أعلم.

الثامن: الفردوس.

قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: ١٠ - ١١] وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف: ١٠٧]، ...

قال كعب: (هو البستان الذي فيه الأعناب). وقال الليث: (الفردوس جنة ذات كروم يقال: كرم مفردس أي: معرش). وقال الضحاك: (واختاره المبرد أنها الجنة الملتفة بالأشجار). وقيل: (إنه ليس بعربي، وإنما هو رومي ومعناه بالعربية: البستان) قاله الزجاج وقال: (حقيقته البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين).

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

وإن ثواب الله لكل مخلد ... جنان من الفردوس فيها يخلد

التاسع: جنات النعيم

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان: ٨] وهو اسم جامع لجميع الجنات لما اشتملت عليه من النعيم المقيم.

العاشر: المقام الأمين.

قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان: ٥١] فالمقام موضع الإقامة والأمين الأمن من كل سوء ومكروه.

الحادي عشر والثاني عشر: مقعد الصدق وقدم الصدق


(١) رواه ابن أبي الدنيا في ((صفة الجنة)) (١٨)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٢٨٣). وقال الألباني في ((ضعيف الترغيب والترهيب)) (٢١٩٢): ضعيف جدا.
(٢) ((حادي الأرواح)) (ص: ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>