للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى كل حال؛ فإن القول الحق في هذه المسألة، والذي تشهد له النصوص، وعليه اتفاق السلف والأئمة – كما حكاه شيخ الإسلام عنهم في أكثر من موضع – هو أن أول واجب على المكلف الشهادتان.

وقد حكى انعقاد الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم – رحمهم الله تعالى – وفي ذلك إبطال لما ذهب إليه المتكلمون في هذه المسألة، وأحد أوجه الرد عليهم وتزيف لقولهم، ودحض لشبهتهم، وتخطئة لمنهجهم وطريقتهم.

نص ما حكاه شيخ الإسلام من الإجماع: بين رحمه الله أن معرفة الله والإقرار به لا يقف على هذه الطرق المذمومة عند السلف، بل بعض هذه الطرق لا تفيد عندهم المعرفة فضلاً عن أن يكون الله لا يقر به مقر ولا يعرفه عارف إلا بهذه الطريقة المذمومة والتي أوجبها المتكلمون على المكلف للدخول في الإسلام حيث يقول: (بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن معرفة الله والإقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها أهل طريقة النظر؛ بل بعض هذه الطرق لا تفيد عندهم المعرفة فضلا عن أن يكون الله لا يقر به مقر ولا يعرفه عارف إلا بالطريقة المشهورة له من إثبات حدوث العالم بحدوث صفاته مع دعواهم أن الله لا يعرف إلا بهذه الطريقة) (١).

وقال أيضا: (وليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين، ولا هو قول كل المتكلمين ولا غالبهم، بل هذا قول محدث في الإسلام ابتدعه متكلموا المعتزلة ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم) (٢).

وحكى اتفاق السلف – رحمهم الله تعالى – على تخطئة المتكلمين في إيجابهم هذا النظر المعين على المكلف لتحصيل المعرفة، وإيقافهم المعرفة عليه بقوله: (والمقصود هنا أن هؤلاء الذين قالوا: معرفة الرب لا تحصل إلا بالنظر، ثم قالوا: لا تحصل إلا بهذا النظر، هم من أهل الكلام – الجهمية القدرية ومن تبعهم – وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وجمهور العلماء من المتكلمين وغيرهم، على خطأ هؤلاء في إيجابهم هذا النظر المعين، وفي دعواهم أن المعرفة موقوفة عليه. إذ قد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يوجب هذا على الأمة ولا أمرهم به، بل ولا سلكه هو ولا أحد من سلف الأمة في تحصيل هذه المعرفة) (٣).

وقال بعد ذكره لأقوال المتكلمين ومن تبعهم في إيجاب هذا النظر: (كلها غلط مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، بل وباطلة في العقل أيضاً) (٤).

وأوضح اللوازم الفاسدة من إيقاف المتكلمون معرفة الله تعالى وتحصيلها على هذا النظر المعين من الالتزام بالقول بعدم معرفة الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين بالله، والإيمان به، ولا شك أن هذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين، وفي ذلك يقول: (إن هذا الدليل لم يستدل به أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين، فلو كانت معرفة الرب عز وجل والإيمان به موقوفة عليه للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله ولا مؤمنين به، وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين) (٥).

وإذا كان قول المتكلمين بأن أول واجب على المكلف النظر المعين – المستفاد من دليل الأعراض وحدوث الأجسام – فاسد مطرح مذموم عند السلف، فما هو القول الصحيح الذي اتفق عليه السلف والأئمة، وتؤيده النصوص والأدلة؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مجيبا عن هذا السؤال: (والمقصود هنا أن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ) (٦).


(١) ((النقض)) (٢/ ٤٧٣).
(٢) ((النقض)) (٢/ ٤٧٣).
(٣) ((المجموع)) (١٦/ ٣٣٠).
(٤) ((المجموع)) (١٦/ ٣٣٢).
(٥) ((النقض)) (١/ ٦١٩).
(٦) ((الدرء)) (٨/ ١١)، وانظر ((النقض)) (٨/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>