للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أن (الشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى وبرسوله، وأما مجرد الإقرار بالصانع دون الإتيان بالشهادتين فهذا لا يصير به الرجل مؤمناً، بل ولا يصير مؤمنا بأن يعلم أنه رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمناً بذلك حتى يشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم) (١).

وقال – في معرض نقده لمن أوجب النظر على المكلف، وجعله أول الواجبات-: (والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع أحداً من الخلق إلى النظر ابتداء، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان، وبذلك أمر أصحابه) (٢).

وقال أيضاً – بعد أن ساق جملة من الأحاديث الدالة على أن أول ما يدعى إليه الشهادتان وكذلك الأمر بقتال الناس حتى يأتوا بالشهادتين -: (وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين، وعلماء المسلمين، فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول، أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين، سواء كان معطلا، أو مشركاً، أو كتابياً، وبذلك يصير الكافر مسلماً، ولا يصير مسلما بدون ذلك) (٣).

وقال أيضا: (أجمع المسلمون على أن الكافر إذا أراد أن يسلم يكتفى منه بالإقرار بالشهادتين) (٤).

وقال كذلك: (وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر) (٥).

وقال في موضع آخر: (فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين) (٦).

ذكر من حكى الإجماع أو نص على المسألة ممن سبق شيخ الإسلام: جاءت هذه المسألة نتيجة للمسألة السابقة والتي أكثر أهل الكلام الاشتغال بها، فأحدثوا في دين الله ما لم يأذن به، ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن عليه سلفنا الصالح.

وقد اشتد نكير أهل العلم – رحمهم الله تعالى – على كلتا المسألتين، ووسموا أهلها بالابتداع والضلال، وبينوا فساد ما ذهبوا إليه، وحذروا من مغبة ما يؤول إليه. وقد استعرضنا جملة من أقوال أهل العلم – رحمهم الله تعالى – عند الحديث عن المسألة الأولى.

استدلالهم بدليل الأعراض وحدوث الأجسام، وها نحن نذكر جملة أخرى تنضاف إلى ما سبق لتكون موضحة لموقف أهل العلم – رحمهم الله تعالى – من المسألة الأصل وما نمى عنها.

فقد حكى الإمام أبو بكر بن المنذر الإجماع على أن الكافر إذا أقر بالشهادتين وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام وهو بالغ صحيح يعقل أنه يصير بذلك مسلماً حيث قال: (أجمع كل من أحفظ عنه على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، وأبرأ من كل دين خالف الإسلام وهو بالغ صحيح يعقل، أنه مسلم) (٧).

فانظر كيف تجرأ هؤلاء المتكلمون على خرق هذا الإجماع وإطراحه، ولا غرو في ذلك فإن هؤلاء ليس لهم خبرة بأقوال الصحابة والتابعين وأقوال أئمة المسلمين في مسائل أصول الدين، بل إنما يعرفون أقوال الجهمية والمعتزلة ونحوهم من أهل الكلام المحدث وهؤلاء كلهم مبتدعه عند سلف الأمة وأئمتها (٨).

ولهذا تجد في كتب أهل الكلام ما يدل على غاية الجهل بما قاله الرسول والصحابة والتابعون وأئمة الإسلام مما يوجب أن يقال: كأن هؤلاء نشأوا في غير ديار الإسلام ولا ريب أنهم نشأوا بين من لم يعرف العلوم الإسلامية حتى صار المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً ولبسهم فتن ربي فيها الصغير وهرم فيها الكبير، وبدلت السنة بالبدعة والحق بالباطل (٩).


(١) ((النقض)) (٨/ ١١، ١٢).
(٢) ((النقض)) (٨/ ٦).
(٣) ((النقض)) (٨/ ٧).
(٤) ((الدرء)) (٧/ ٤٣٧).
(٥) ((المجموع)) (٧/ ٣٠٢).
(٦) ((المجموع)) (٧/ ٦٠٩).
(٧) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: ١٥٤).
(٨) انظر: ((الصفدية)) (٢/ ٢٦٨).
(٩) انظر: ((النقض)) (٢/ ٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>