للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - قول من زعم أن أهلها يخرجون منها، وتبقى على حالها خالدة لا تبيد. ٦ - قول أبي هذيل العلاف من أئمة المعتزلة الذاهب إلى أن حياة أهل النار تفنى، ويصيرون جماداً لا يتحركون، ولا يحسون بألم، قال بذلك لأنه يقول بامتناع حوادث لا نهاية لها، فخالف الأدلة الصريحة القطيعة الثبوت بمقاييس عقلية باطلة. ... وقد تتابع العلماء في التأليف لبيان خطأ هذا المذهب، يقول ابن حجر العسقلاني بعد حكايته لهذا القول: (وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد) (١)، وهذا الكتاب الذي أشار إليه هو (الاعتبار ببقاء الجنة والنار) لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفى سنة ٧٥٦. وقال صديق حسن خان: (وقد ألف العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي رسالة سماها: (توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين)، وفي الباب رسالة للسيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير، ورسالة للقاضي العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني، حاصلهما بقاء الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما). (٢) ... ومن الذين تعرضوا لهذه المسألة القرطبي في (التذكرة)، فقد ساق النصوص الدالة على خلود الجنة والنار، والمخبرة بأن الموت يذبح بين الجنة والنار ثم يقال: (يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) ثم قال: (هذه الأحاديث مع صحتها في خلود أهل الدارين فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة). (٣)

ورد القرطبي على الذين قالوا بفناء النار، وبين أن الذي يفنى إنما هو النار التي يدخلها عصاة الموحدين، قال: (فمن قال: إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول. وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العلية التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير). (٤)

ونقل القرطبي عن فضل بن صالح المعافري قال: (كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا: انصرفوا، فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا، لأنه جاءني رجل يستأذن علي زعم أنه قدم من الشام في مسألة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في أكل الجرجير، فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم؟ فقلت له: لا بأس به (٥). فقال: أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام، ذكره الخطيب أبو بكر أحمد رحمه الله، وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ((يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين)) (٦) هكذا رواه موقوفاً عن عبد الله بن عمرو، وليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثله لا يقال من جهة الرأي، فهو مرفوع). (٧) الجنة والنار لعمر سليمان الأشقر – ص ٤٢


(١) ((فتح الباري)) (١١/ ٤٢٢).
(٢) ((يقظة أولي الاعتبار))، لصديق حسن خان (ص: ٤٢)، ورسالة الصنعاني طبعها المكتب الإسلامي بيروت، وقد حققها وكتب لها مقدمة ضافية الشيخ ناصر الدين الألباني فأجاد.
(٣) ((التذكرة)) للقرطبي (ص: ٤٣٦).
(٤) هذا القول لا يصح فيه خبر ثابت، وكأن قائله أراد منه خمود النار التي يكون فيها عصاة الموحدين حتى ينبت النبات على حوافها.
(٥) هذه القصة إن كانت صحيحة فقد تكلف هذا السائل في سفره لتبين أمر هو في غاية الوضوح.
(٦) رواه البزار في ((المسند)) (٦/ ٤٤٢). قال العيني في ((عمدة القاري)) (١٩/ ٥٢): وهذا وإن كان موقوفا فإن مثله لا يقال بالرأي.
(٧) ((التذكرة للقرطبي)) (ص: ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>