للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت, ارحمني إن شئت, ارزقني إن شئت, وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مكره له)) (١) , ففيه إثبات المشيئة لله تعالى فهو الغفور الرحيم, والرزاق إذا شاء, وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا مكره له, والحديث فيه الحث على العزم في المسألة والجزم فيها، دون ضعف أو تعليق على المشيئة, وإنما نهى عن التعليق على المشيئة لأنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه, والله سبحانه وتعالى لا مكره له كما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هنا (٢).

٥ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني والله عدلاً، بل ما شاء الله وحده)) (٣) والحديث واضح الدلالة على إثبات مرتبة المشيئة, وأن الله تعالى له المشيئة المطلقة, وأن للعباد مشيئة خاضعة لمشيئة الله تعالى, والنهي في الحديث إنما هو عن قرن مشيئة الله بمشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث عطفها بالواو التي هي لمطلق الجمع من غير ترتيب ولا تعقيب، والرسول مثل غيره من العباد، فالكل خاضعون لمشيئة الله، ومشيئتهم تابعة لمشيئة الله.

٦ - ومن الأحاديث الدالة على الإرادة والمشيئة: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) (٤) فقوله: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) فيه إثبات مرتبة الإرادة، وأن الأمور كلها تجري بمشيئة الله تعالى ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وإنما أنا قاسم والله معطي)) أي: إنما أنا أقسم ما أمرني الله بقسمته، والمعطي حقيقة هو الله تعالى, فالأمور كلها بتقدير الله تعالى والإنسان مصرف مربوب, ومن الأحاديث الدالة على الإرادة حديث حذيفة بن أسيد الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن ملكاً موكلاً بالرحم, إذا أراد الله أن يخلق شيئاً بإذن الله لبضع وأربعين ليلة .. )) الحديث (٥) فالله هو المريد لخلق الآدمي، والأحاديث الدالة على مرتبة المشيئة والإرادة كثيرة جداً. (٦) القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود - ص: ٥٧


(١) رواه البخاري (٧٤٧٧).
(٢) انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٧/ ٦، ٧)، وانظر أيضا: ((فتح الباري)) لابن حجر (١١/ ١٤٠).
(٣) رواه أحمد (١/ ٢١٤) (١٨٣٩)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٤٥) (١٠٨٢٥)، والبيهقي (٣/ ٢١٧) (٥٦٠٣)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (٨/ ١٠٤). والحديث حسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ٢٠٠)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٣/ ٢٥٣).
(٤) رواه البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧).
(٥) رواه مسلم (٢٦٤٥).
(٦) انظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: ٤٤، ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>