للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء يعتمدون فيما يفعلون على حولهم وقوتهم وعملهم، وهم يطلبون الجزاء والأجر من الله كما يطلب الأجير أجره من مستأجره، والله ليس محتاجاً إلى العباد وأعمالهم، بل نفع ذلك عائد إلى العباد أنفسهم، ومع كون العباد هم المحتاجين إلى الأعمال، فلا غنى لهم عن الاستعانة بالله إِياكَ نَعْبُدُ وإِياكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: ٥]. فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: ١٢٣] الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٦٢

بين هشام بن عبد الملك ورجلا يقول بالقدر

بلغ هشام بن عبد الملك أن رجلاً قد ظهر يقول بالقدر، وقد أغوى خلقاً كثيراً، فبعث إليه هشام فأحضره، فقال: ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: وما هو؟ قال: تقول: إن الله لم يقدر على خلق الشرّ؟ قال: بذلك أقول، فأحضِر من شئت يحاجني فيه، فإن غلبته بالحجة والبيان علمتُ أني على الحق، وإن غلبني بالحجة فاضرب عنقي. قال: فبعث هشام إلى الأوزاعي فأحضره لمناظرته، فقال له الأوزاعي: إن شئتَ سألتك عن واحدة، وإن شئتَ عن ثلاث، وإن شئتَ عن أربع؟ فقال: سل عما بدا لك، قال الأوزاعي: أخبرني عن الله عز وجل هل تعلم أنه قضى على ما نهى؟ قال: ليس عندي في هذا شيء، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه واحدة. ثم قلت له: أخبرني هل تعلم أن الله حال دون ما أمر؟ قال: هذه أشدّ من الأولى، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه اثنتان. ثم قلت له: هل تعلم أن الله أعان على ما حرّم؟ قال: هذه أشدّ من الأولى والثانية، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه ثلاث قد حلّ بها ضرب عنقه. فأمر به هشام فضربت عنقه. ثم قال للأوزاعي: يا أبا عمرو، فسّر لنا هذه المسائل، قال: نعم يا أمير المؤمنين. سألته: هل يعلم أن الله قضى على ما نهى؟ نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه بأكلها. وسألته: هل يعلم أن الله حال دون ما أمر؟ أمر إبليس بالسجود لآدم، ثم حال بينه وبين السجود. وسألته: هل يعلم أن الله أعان على ما حرّم؟ حرّم الميتة والدم، ثم أعاننا على أكله في وقت الاضطرار إليه. قال هشام: والرابعة ما هي يا أبا عمرو؟ قال: كنت أقول: مشيئتك مع الله أم دون الله؟ فإن قال: مع الله فقد اتخذ مع الله شريكاً، أو قال: دون الله، فقد انفرد بالربوبية، فأيهما أجابني فقد حلّ ضرب عنقه بها، قال هشام: حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة لهبة الله بن الحسن اللالكائي - ٤/ ٧٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>