للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المعنى: فإن الإيمان مأخوذ من الأمن وهو الطمأنينة، كما أن لفظ الإقرار مأخوذ من قرَّ يَقُر، وهو قريب من آمن يأمن.

وأما الصدق فهو عدم الكذب، ولا يلزم أن يوافقه طمأنينة إلا إذا كان المُخبر الصادق يُطمئن إلى خبره وحاله.

أن لفظ الإيمان يتعدى إلى غيره باللام دائماً نحو قوله تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت: ٢٦]، وقول فرعون في الشعراء: آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الشعراء: ٤٩]، وقوله تعالى في يونس: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ [يونس: ٨٣]، وقوله: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون: ٤٧]. وقوله: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ [الشعراء: ١١١]، وآيات عديدة. أما لفظ التصديق وصدق ليصدق فإنه يتعدى بنفسه نحو: قوله تعالى في الصافات: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِناَّ كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ [الصافات: ١٠٥]. وفي أولها: بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: ٣٧]. وفي سورة الزمر: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزمر: ٧٤] فكلها بمقابل الكذب.

لو فرضنا أن معنى الإيمان لغة التصديق، لوجب أن لا يختص بالقلب فقط بل يكون تصديقاً باللسان، وتصديقاً بالجوارح كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .. ((العينان تزنيان .. )) (١) الحديث.

كذلك لو قلنا: إن الإيمان أصله التصديق، فإنه تصديق مخصوص، كما أن الصلاة دعاء مخصوص، والصوم إمساك مخصوص يتبيَّن بالمعنى الشرعي حيث يكون للتصديق لوازم شرعية دخلت في مسماه (٢) مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل - ص٢٠

ويمكن أن نجمل الأمور التي ذكرها شيخ الإسلام في دفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق في النقاط التالية:

١ - أن لفظة آمن تختلف عن لفظة صدق من جهة التعدي، حيث إن آمن لا تتعدى إلا بحرف إما الباء أو اللام كما في قوله تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: ٢٦]، وقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: ٢٨٥].

فيقال: آمن به وآمن له، ولا يقال: آمنه، بخلاف لفظة صدق فإنه يصح تعديتها بنفسها فيقال: صدقه.

٢ - أنه ليس بينهما ترادف في المعنى، فإن الإيمان لا يستخدم إلا في الأمور التي يؤتمن فيها المخبر مثل الأمور الغيبية، لأنه مشتق من الأمن، أما الأمور المشاهدة المحسوسة فهذه لا يصلح أن يقال فيها: آمن وإنما يقال: صدق، لأن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت كما يقال: كذبت، أما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب.


(١) رواه أحمد ٢/ ٣٤٤ (٨٥٠٧). والحديث رواه البخاري بنحوه (٦٢٤٣)، ومسلم (٢٦٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) هذه الأوجه وغيرها بسطها ابن تيمية في مواضع من كتبه: ((شرك الأصفهانية)) (١٤٢ - ١٤٣)، و ((مجموع الفتاوى)) (١٠/ ٢٦٩ - ٢٧٦)، وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>