للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكفار والمنافقون غالباً ما يقرون بالربوبية والرسالة ولكن الكبر والبغض وحب الرياسة والشهوات ونحوها تصدهم عن الطاعة والإخلاص والمتابعة (أي توحيد الألوهية) ومن ثم فلا ينفعهم ذلك، ولا ينجيهم من عذاب الله عز وجل في الآخرة ولا من سيف المؤمنين في الدنيا، فيجب على الدعاة إلى الله أن ترتكز دعوتهم على ذلك، وأن لا يقتصروا بالاهتمام بتوحيد الربوبية دون الدعوة إلى توحيد الألوهية، وإنما يكون اهتمامهم بالربوبية طريقاً ومنطلقاً لترسيخ وتثبيت توحيد الألوهية وعبادة الله وحده لا شريك له.

قول اللسان (الإقرار باللسان) قول اللسان جزء من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللسان: الأعمال التي تؤدى باللسان: كالشهادتين والذكر وتلاوة القرآن والصدق والنصيحة والدعاء وغير ذلك مما لا يؤدى إلا باللسان وهذه الأعمال منها ما هو مستحب ومنها ما هو واجب ومنها ما هو شرط لصحة الإيمان ولنبدأ أولاً بالنصوص الدالة على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان ومنها:

١ - قوله عز وجل: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٦]، ثم قال عز وجل: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ [البقرة: ١٣٧].

قال الحليمي: فأمر المؤمنين أن يقولوا آمَنَّا ثم أخبر بقوله تعالى: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ أن ذلك القول منهم إيمان، وسمي قولهم مثل ذلك إيمانا، إذ لا معنى لقوله: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ.

إلا فإن آمنوا بأن قالوا: مثل ما قلتم فكانوا مؤمنين كما آمنتم فصح أن القول إيمان) (١).

٢ - وقال عز وجل في آية أخرى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر: ٨٤ - ٨٥] هذا الإيمان منهم لما رأوا البأس لم ينقلهم من الكفر ولم ينفعهم فثبت أنه لو كان قبلها لنفعهم بأن ينقلهم من الكفر إلى الإيمان وبذلك يكون هذا القول منهم لو كان قبل رؤية البأس لكان إيمانا (٢).

٣ - ومن الأحاديث الشريفة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) (٣) فقد أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن العصمة المزايلة للكفر تثبت بالقول فبذلك يثبت أن القول إيمان لأن الإيمان هو العاصم من السيف (٤).

٤ - ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) (٥).

فهذا الحديث أصل في دخول الأعمال والأقوال في مسمى الإيمان ...

نكتفي بهذه الأدلة الصريحة على دخول قول اللسان في مسمى الإيمان ونأتي إلى مسألة مهمة وهي:

الشهادتان أصل قول اللسان وهما شرط في صحة الإيمان:


(١) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ٢٦).
(٢) انظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ٢٦).
(٣) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٢). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٤) انظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ٢٧).
(٥) رواه البخاري (٩)، ومسلم (٣٥) واللفظ له. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>