للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق فكفر الجهل والتكذيب قال الله تعالى: بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [يونس: ٣٩] وقال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل: ٨٤]. وإن كتم الحق مع العلم بصدقه فكفر الجحود والكتمان قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: ١٤] وقال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة: ٨٩] وقال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة: ١٤٦ - ١٤٧].

وإن انتفى عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة والإذعان مع انقياد الجوارح الظاهرة فكفر نفاق سواء وجد التصديق المطلق أو انتفى وسواء انتفى بتكذيب أو شك قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ - إلى قوله - وَلَوْ شَاء اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ٨ - ٢٠] وإن انتفى عمل القلب وعمل الجوارح مع معرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار ككفر إبليس وكفر غالب اليهود شهدوا أن الرسول حق ولم يتبعوه أمثال حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهم وكفر من ترك الصلاة عنادا واستكبارا ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (١). ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو التصديق على ظاهر اللغة إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا بلا شك لم يعنوا مجرد التصديق فإن إبليس لم يكذب في أمر الله تعالى له بالسجود وإنما أبى عن الانقياد كفرا واستكبارا واليهود كانوا يعتقدون صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه وفرعون كان يعتقد صدق موسى ولم ينقد بل جحد بآيات الله ظلما وعلوا فأين هذا من تصديق من قال الله تعالى فيه: وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر: ٣٣] الآيات وأين تصديق من قال الله فيهم: قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة: ٩٣] وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة: ٧٦] من تصديق من قالوا وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: ٢٨٥] والله الموفق معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص٧٣٥


(١) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>