للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصديق بالحق، والمحبة له، فهذا أصل القول، وهذا أصل العمل.

ثم الحب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر والعمل الظاهر ضرورة ...

وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له، لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة، والأعمال الظاهرة ... ) (١).

فلهذا كانت هذه الأربعة أجزاء في الإيمان وأركانه التي قام عليها بناؤه.

قال ابن القيم: (إن الإيمان قول وعمل؛ والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح.

وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً، كما قال عن قوم فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ [النمل: ١٤].

وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت: ٣٨].

وقال موسى لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ [الإسراء: ١٠٢].

فهؤلاء حصلوا قول القلب، وهو المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين.

وكذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً، بل كان من المنافقين.

وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً.

وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه) (٢).

(فإن انتفت كلها اجتمع أنواع الكفر غير النفاق ...

وإن انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق فكفر الجهل والتكذيب ...

وإن كتم الحق مع العلم بصدقه فكفر الجحود والكتمان ...

وإن انتفى عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة والإذعان مع انقياد الجوارح الظاهرة فكفر نفاق، سواء وجد التصديق المطلق أو انتفى، وسواء انتفى بتكذيب أو شك ...

وإن انتفى عمل القلب وعمل الجوارح مع المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار ...

ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (٣)) (٤). براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة لمحمد بن سعيد الكثيري – ص: ٥٧


(١) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٥٤٠).
(٢) ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص: ١٢٩).
(٣) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (٤١٧٨). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٤) ((معارج القبول)) لحافظ حكمي (٢/ ٢٢ - ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>